بما أن «زيادة إيرادات الدولة» هي أحد الأهداف التي يطمح قانون الخصخصة الذي أقر أخيرا إلى تحقيقها، وحيث إن الضريبة التصاعدية على الدخل والأرباح السنوية التي تحققها الشركات الخاصة هي مصدر رئيس للإيرادات التي تعزز الميزانية العامة للدولة، إذن فإنه من المفترض أن يكون لدنيا قانون للضريبة لأنه من دون هذا القانون فإنه لا يمكن «زيادة إيرادات الدولة» من عملية الخصخصة، إذ إن مجرد بيع مشروعات عامة رابحة أو مضمونة الربح في ما لو تحسنت عملية إدارتها لن يحقق ذلك، بل على العكس فإن عملية بيع الأصول العامة للقطاع الخاص ستحرم ميزانية الدولة من إيرادات مستمرة لمشروعات مربحة، وهو ما يجعلنا نتساءل، من وجهة نظر اقتصادية بحتة: ترى لماذا تبيع الدولة مشروعاتها المربحة أو التي من المضمون أنها ستحقق الأرباح وتجعل نفسها عرضة للمشاكل الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي ستترتب على عملية تصفية النشاط الاقتصادي للدولة مثل ارتفاع معدلات البطالة وارتفاع الأسعار وزيادة الفوارق الطبقية وزعزعة الاستقرار الاجتماعي؟

Ad

لعل مؤيدي الخصخصة سيجيبون عن هذا السؤال من خلال ترديد حجتهم «الكلاسيكية» من أن عملية نقل الملكية ستطور من جودة السلع والخدمات وستزيد الإنتاجية، وهو هدف آخر ورد ذكره ضمن أهداف قانون الخصخصة، رغم أن هذه الحجة (الهدف) هي عبارة عن كلام نظري إنشائي مستهلك وغير صحيح على إطلاقه، إذ إن هناك شواهد كثيرة محلية وعالمية تدحض ذلك، ناهيك عن أن رفع مستوى جودة السلع والخدمات قد يكون على حساب عوامل أخرى اجتماعية وسياسية واقتصادية.

وحتى لو افترضنا أن ذلك صحيح على الدوام فإن ارتفاع مستوى جودة السلع والخدمات وزيادة الإنتاجية يتطلب في الأساس وجود قطاع خاص رأسمالي صناعي منتج ومتطور، وليس قطاعا خاصا ضعيفا يعتاش على الإنفاق العام والدعم الحكومي غير المحدود، ومتركزا في أنشطة غير إنتاجية كما هو وضع قطاعنا الخاص، أضف إلى ذلك ضرورة توافر بيئة أعمال صحية غير فاسدة تحكمها قوانين مثل قانون الضريبة المباشرة على الأرباح السنوية، وقانون منع الاحتكار والوكالات الحصرية، وقانون حماية المستهلك، وقوانين مكافحة الفساد وكشف الذمة المالية وعدم تضارب المصالح، يقوم جهاز حكومي مستقل ومتطور وفاعل بتنفيذها من جهة، والرقابة على جودة السلع والخدمات من الجهة الأخرى، فهل يا ترى يتوافر لدينا كل ذلك حتى يبشرنا دعاة الاستعجال في تطبيق الخصخصة المتوحشة (بيع الملكية) بأننا سنتحول بين ليلة وضحاها إلى مجتمع إنتاجي؟!

ثم، مرة أخرى، ألا يمكن رفع مستوى جودة السلع والخدمات من خلال مؤسسات القطاع العام بعد إصلاحها أو من خلال الأشكال الأخرى للخصخصة الموجودة في الكويت منذ عقود مثل خصخصة الإدارة أو الخصخصة الموازية (مستشفى حكومي يقابله مستشفى خاص) أو عملية الـ«بي أو تي» أو المشاركة بين القطاعين؟ أليس من المفارقة العجيبة أن يتم إقرار قانون الخصخصة (بيع الملكية) في اليوم ذاته الذي تعلن فيه مجموعة طيران الإمارات، المملوكة لحكومة دبي، والتي تقدم خدمات طيران مميزة وذات جودة عالية عن تحقيقها أرباحا سنوية بمقدار 1.1 مليار دولار؟!

على أي حال فإن القانون قد أقر، رغم تحفظاتنا عليه ورغم أن أغلبية أعضاء المجلس قد صوتوا ضده، لذلك فإن المطلوب الآن من الحكومة والمجلس على حد سواء هو الاستعجال في إنشاء هيئات رقابة مستقلة تعنى بمتابعة عمليات تحسين جودة السلع والخدمات التي يقدمها القطاع الخاص، ومراقبة الأسعار على غرار هيئة رقابة الطاقة البريطانية (OFgem) والهيئة الفدرالية للاتصالات في أميركا (FCC) ثم إقرار القوانين الآنفة الذكر قبل البدء ببيع المشروعات العامة لاسيما قانون الضريبة المباشرة على الدخل والأرباح السنوية، وإلا فإن الأهداف التي ورد ذكرها في المذكرة الإيضاحية لقانون الخصخصة مثل «زيادة كفاءة القطاعات الاقتصادية في البلاد ورفع مستوى جودة السلع والخدمات» أو «زيادة إيرادات الدولة» ستظل مجرد حبر على ورق.

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة