حرامي «عليمي»... وآخر «محترف»
تولدت لدي في الأشهر الماضية هواية جديدة، وهذه الهواية غريبة نوعاً ما، ولكنها ممتعة ومفيدة في نفس الوقت، هوايتي الجديدة هي كشف المقالات المسروقة في صحافتنا المحلية، ومن خلال هذه الهواية اكتشفت أن بعض كتاب صحافتنا- ومنهم أسماء كبيرة- يعيشون بالكامل على سرقة المقالات من كتاب آخرين. "ضحايا" هوايتي الجديدة ليسوا من صنف واحد، فمنهم "الليبرالي" ومنهم من يدَّعي التدين، ومنهم من لم يتم مرحلة الدراسة المتوسطة ومنهم من يحمل شهادة الدكتوراه، ومع اشتراكهم جميعاً في السطو على مقالات الآخرين، فإن درجة الاحتراف في السرقة لديهم تختلف من شخص إلى آخر، فمنهم "العليمي" المبتدأ الذي يسرق من مصدر واحد، ومنهم المحترف الذي يسرق من مصادر عدة في مقالة واحدة. حتى تشاركوني متعة هوايتي الجديدة أحببت أن أشرككم في معرفة بعض نماذج هؤلاء "الحرامية"... المثال الأول، لكاتب في إحدى الصحف القديمة، متخصص في سرقة مقالات كتاب معارضين في إحدى الدول المجاورة، ويكتفي بإضافة رتوش على المقالة الأصلية في بداية المقالة ونهايتها، وبالمناسبة فهو من أشد المعجبين بـ"جيش الدفاع الإسرائيلي". المثال الثاني، لكاتب "إسلامي" يحمل شهادة الدكتوراه في الاقتصاد الإسلامي، ولا يكتب في مجال "تخصصه"، بل متخصص في مواضيع إثارة الفتنة، وهو من النوع "العليمي"، حيث ينسخ المقالة المسروقة بالكامل دون إضافة أي مساحيق تجميلية على المقالة.الكاتب الثالث، من شريحة الكتّاب "الحرامية" يكتب في جريدة عريقة، ويتكلم في مقالاته عن القيم والأخلاق وضرورة الالتزام بالدين والشريعة، ومع ذلك يمارس السرقة الصحفية ربما لأنه يراها حلالاً.
كل هؤلاء في كفة والمثال الرابع من هؤلاء الكتاب في كفة أخرى، فهذا الكاتب يتغنى بالوطنية ومحترف في السرقة، وهو بالمناسبة متقاعد من منصب كبير، ولمعرفتي بقدراته الفكرية واللغوية المتواضعة كنت أتعجب من نوعية المقالات الفلسفية والثقافية التي يكتبها، فهو يكتب في مواضيع مثل التنمية والحداثة وغيرها من المواضيع ذات الطابع الثقافي المعمق، وفي يوم من الأيام قررت أن أكشف سر "الوحي" الذي نزل على "صاحبنا"، فرحت أبحث في الإنترنت عن مقالات مشابهة لما يكتب، واكتشفت العجب العجاب، فهو محترف للغاية، فاكتشفت في مقالة واحدة أنه سرق من ثمانية مصادر مختلفة، وحتى الآن تبين لي ست سرقات من سرقاته التي أنا على يقين أنه سيدخل بها موسوعة "غينيس" للأرقام القياسية.حتى أقوم بدوري لفضح هؤلاء السراق قمت بإبلاغ إدارات التحرير في صحفهم، ولكن مع الأسف فإنهم مازالوا مستمرين في الكتابة وكأن شيئاً لم يكن، ولذا قررت أن أرسل تفاصيل سرقاتهم إلى بعض المواقع الإلكترونية على الإنترنت المختصة بفضح هذه السرقات لعل وعسى أن يهتم رؤساء التحرير في هذه الصحف بالأمر ويحافظوا على سمعة صحفهم. ما حفزني على كتابة هذا المقال هو ما كتبه الزميل د. مشاري الحسيني في جريدة "القبس" قبل أيام عن المستوى المتردي لنسبة كبيرة من المقالات في صحفنا المحلية، وأنا أشاطر الزميل د. مشاري الرأي، وأزيد عليه أنه من خلال متابعتي لما يكتب من مقالات في عدد من الصحف الخليجية والعربية أكاد أجزم أن مستوى بعض المقالات في صحفنا المحلية هي الأسوأ على الإطلاق.أعتقد أن مسؤولية الفوضى العارمة في المقالات والمستوى المتدني الذي وصلت إليه نسبة كبيرة من المقالات يتحملها رؤساء تحرير هذه الصحف في المقام الأول لأنهم سمحوا للإسفاف والسطحية والبذاءة أن تجد لها مكاناً واسعاً على صفحات صحفهم.