في تاريخ الإنسانية منذ خلق الإنسان، محاكمات جائرة، لم تقتصر على العصور البدائيه، بل استمرت عبر التاريخ، ومن أكثر المحاكمات إثارة، محاكمتان لأشهر امرأتين أعدمتا في فرنسا، وهما محاكمة ماري أنطوانيت ومحاكمة جان دارك.

Ad

كان اسمي ماري أنطوانيت:

كانت ماري أنطوانيت ملكة فرنسا في يوم من الأيام، ولم تستغرق محاكمتها بعد قيام الثورة وأمام المحكمة الثورية برئاسة هيرمان سوى يومين، استمعت فيها المحكمة إلى أقوالها وإلى شهود الإثبات وشهود النفي، ومرافعة الدفاع الذي مثله المحامي لاغارد الذي أمضى ساعتين في مرافعته التي فند ودحض فيها كل المزاعم والافتراءات التي وجهت إليها، لاسيما المتعلقة منها بتبديد الأموال والاتصال بدول أجنبية لضرب مصالح فرنسا، وأرجع إليها الفضل في حصول الشعب على حريته، فأمر فوكيه المدعي العام الحرس بالقبض على المحامي والزج به في السجن، بسبب دفاعه عن المتهمة.

وترافع بعد القبض على لاغارد محام آخر عن الملكة، ولقي مصير

زميله، فكان القبض على المحاميين أمراً مثيراً للاستغراب ومشيناً للعدالة في وقت واحد.

واختلى المحلفون ساعة واحدة، ليعلن رئيس المحكمة قرارهم بأن المتهمة مذنبة، ليتم إعدامها بعد ساعات قليلة في ساحة الجمهورية وسط الهتافات التي تعالت لتحيا الجمهورية.

لم تكن المحاكمة إلا إجراء شكلياً وشعبوياً ليحصل رجال الثورة الفرنسية على التأييد والهتافات للثورة وللجمهورية، وهو ما أدركته الملكة منذ اللحظة الأولى لبدء المحاكمة، عندما سألها رئيس المحكمة: اسمك، وسنك، ومهنتك، وبلدك ومحل إقامتك، فأجابت بهدوء "كان اسمي ماري أنطوانيت".

لقد أفهمت الجميع بعبارة "كان اسمي" أنها تعرف مصيرها وهو الموت، ولهذا اعتبرت نفسها غير موجودة من بداية المحاكمة.

محاكمة جان دارك وإعدامها حرقاً:

وهي بطلة فرنسية قادت الجيوش الفرنسية في الثامن من مايو سنة 1429م لطرد الجيش الإنكليزي الذي كان يحاصر مدينة أورليانز الفرنسية، وتوجت ولي العهد ملكاً على فرنسا باسم شارل السادس، ثم وقعت بعد ذلك في عام 1430 في أسر قوات دوقية بورغندي التي باعتها إلى الإنكليز، لتتم محاكمتها أمام محكمة كنسيه مكونة من خمسة وأربعين من رجال الكنيسة، برئاسة الكاهن كوشون، وكانت لائحة الاتهام التي تبنتها جامعة باريس بكامل هيئتها تضمنت اثني عشر اتهاماً رئيسياً، قدمها رئيس المحكمة إلى المحكمة، مرفقة بكتاب من ملك إنكلترا، وتتضمن اللائحة اثني عشر اتهاماً رئيسياً تدور كلها حول الشعوذة والهرطقة والوثنية، وقتل الجنود الإنكليز والتعطش للدم المسيحي.

كانت جان دارك تلبس الزي العسكري، وقد أودعت سجناً عسكرياً يحرسه الإنكليز بالرغم من أنها تحاكم أمام محكمة كنسية، وعندما مثلت أمام المحكمة كانت مقيدة قدماها بالأصفاد التي تؤلمها، إلا أن المحكمة رفضت تحريرها منها، وكانت تجيب بثقة عن أسئلة المحكمة الكنسية بأن علاقتها بربها هي علاقة مباشرة، ولا تمر بأي وسيط، وأن الكنيسة وسيط، وأنها لن تفصح عن بعض الإجابات إلا لملكها شارل السابع، ومع ذلك فإنها تحب الكنيسة وتتفانى في دعمها بكل ما أوتيت من قوة.

ولما سألتها المحكمة هل تقبلين خلع لباسك العسكري للذهاب إلى القداس أجابت بنعم، ولكنها ستعود إلى ارتدائه للجهاد بعد أن تخرج من الكنيسة، وأن الفرنسيين سوف ينتصرون على الإنكليز في معركة حاسمة، وأن الإنكليز سيطردون من فرنسا باستثناء من سيموت منهم على أرضها، ولقيت بطلة فرنسا القومية مصيرها المحتوم، بصدور الحكم عليها بالإعدام حرقاً في 28/5/1431م، ليصدر بعد خمسة وعشرين عاماً في 7 يوليو سنة 1456م حكم بإعادة اعتبار الشهيدة، ولتقرر الحكومة الفرنسية في عام 1919 اعتبار الثامن من مايو عيداً قومياً تكريماً لذكراها، وليطلق اسمها على الساحات والشوارع والمؤسسات في فرنسا وخارجها.

(كان يفترض أن ينشر هذا المقال في العيد القومي لذكراها، إلا أحداثاً كثيرة معاصرة كان لا بد من تناولها في الشهر الماضي).