نقول 4 - صفر؟
فعلتها الحكومة ونزعت فتيل أربعة استجوابات بالإقدام أماماً هذه المرة وليس بالهروب كالعادة، ولا أعني هنا مواجهة الاستجوابات، فذلك مستحق وأضعف الإيمان، بل أعني التكتيك بغض النظر عن المواقف والدوافع التي أختلف مع بعضها، إذ لأول مرة ترينا حكومة للشيخ ناصر المحمد قدرتها على المناورة السياسية، وهذا بالتأكيد أمر إيجابي طالما كان ضمن إطار الدستوري واللائحة، ومن شأنه أن يعدل الاختلال الناتج عن تفوق النواب في المناورة والمفاجأة والحشد من دون جهد مضاد من الحكومة، فالبرلمان والحكومة يصوب كل منها الآخر ويقويه بإكسابه الخبرة والدهاء والقدرة على المناورة، والمحصلة النهائية هي تطور النظام السياسي.
التكتيك الذي اعتمدته الحكومة هو ما يعرف في الرياضة بـ»Run The Clock»، ففي كرة القدم الأميركية يماطل الفريق المستحوذ على الكرة بالاصطفاف حتى يمضي الوقت، وفي كرة السلة يتعمد الفريق الزائر ارتكاب الأخطاء عندما يكون الفريق المضيف وجمهوره متحمسين، وفي كرة القدم العادية يتعمد حارس مرمى الفريق المتقدم القفز والانبطاح أرضاً حتى باللعبات السهلة ويتظاهر اللاعبون بالإصابة، كل في سبيل امتصاص حماس الجمهور وتشتيت انتباهه واللعب بأعصاب المنافسين، وهو ما قامت به الحكومة في ماراثون الاستجوابات الذي امتد حتى الخامسة صباحاً، إذ تقسم الوقت والزخم والانتباه على أربعة استجوابات، وحرم النواب المستجوبون من الاستئثار بالوقت والإعلام وانتباه الجمهور، وأطالت الوقت حتى تمتص حماس الإعلام والجمهور لمصلحتها، إذ خلد الناس ووسائل الإعلام للنوم بينما لم يتم الانتهاء بعد من استجوابي وزيري الداخلية والدفاع، وهما استجوابان كانا سيقلبان البلد على رأسه لو تمت مناقشتهما منفردين. وحكومة الشيخ ناصر المحمد لم تكن الأولى في استخدام هذا التكتيك في السياسة، إذ يعرف التكتيك في الغرب بـ»Filibuster» وهناك سابقتان شهيرتان عليه، الأولى في الكونغرس الأميركي عند مناقشة قوانين الحريات المدنية عام 1957، إذ تحدث السيناتور الأميركي الراحل ستروم ثورمند لمدة 24 ساعة دون توقف لإطالة النقاش والحؤول دون التصويت على القوانين، ما حدا بالكونغرس بجلب أَسرّة متنقلة لينام عليها الأعضاء في الجلسة. والسابقة الثانية هي في المجلس التشريعي لمدينة أونتاريو الكندية عند مناقشة قانون ضم ضواحي مدينة تورونتو إليها عام 1997، إذ قدم المعارضون حوالي اثني عشر ألف تعديل على القانون لتعطيل التصويت عليه، فاستمر النقاش تسعة أيام دون توقف وحضر أعضاء المجلس في نوبات نهارية وليلية. المفارقة هي أن في السابقتين الأميركية والكندية كانت الإطالة تأتي من المعارضة، بينما عندنا أتت من الحكومة.استطاعت الحكومة إنهاء وقت المباراة الأصلي بأقل خسائر، ولكنها لم تنتهِ بعد وأمامها الركلات الترجيحية، وقد أفلتت من إحداها بإعلان 29 نائباً تجديد ثقتهم برئيس الوزراء، ويبقى أن نرى تعامل الحكومة مع طرح الثقة بوزير الداخلية، فهل تكملها 4- صفر؟