أثارت حادثة الاعتداء على أحد المواطنين السعوديين من قبل رجال الشرطة البحرينية حالة من الاستياء في السعودية، ولا شك أن حدوث مثل هذا الأمر يعتبر أمرا مزعجا جدا وغير مقبول، خصوصا أنه حدث في إحدى دول مجلس التعاون الخليجي، ولم يكن المتورطون فيه مجموعة من الشباب الطائشين، بل رجال الأمن الذين يفترض فيهم الحفاظ على القانون ومراعاة الأنظمة، فإذا بهم يتحولون إلى أبطال في الكونغ فو ضدّ مواطن خليجي مقيد اليدين ومبطوحاً على الأرض.

Ad

ولكن ثمة حقيقة يصعب تجاوزها، وهي أن الشخص الذي قام بتصوير مقطع الفيديو الذي عرضته قناة العربية وانتشر على موقع اليوتيوب هو مواطن بحريني شجاع لم يعجبه ما حدث، ولأنه حقوقي فقد حرص على توثيق الحادثة ونشرها حتى لو جاءت نتيجتها عكسية وأضرت ببعض رجال الأمن في بلاده، وهذا دليل وعي وتحضر، فالإنسان الذي يتستر على الأخطاء التي تحدث في بلاده يساهم بشكل أو بآخر في ترسيخ هذه الأخطاء وتعميقها، ويفترض ألا ينسينا استياؤنا مما فعله رجال الشرطة البحرينية أنه ما كان لنا أن نعرف حقيقة ما حدث لو لم يكن ثمة مواطن بحريني شجاع قام بتوثيق الحادثة ونشرها.

ولكن ماذا لو حدث العكس؟ ماذا لو تعرض مواطن بحريني- أو من أي جنسية أخرى- للضرب على يد رجال الأمن في السعودية أو أعضاء هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في السعودية، وقام حقوقي سعودي بتصوير الحادثة ونشرها؟ فهل سنعتبر هذا السعودي رجلا خاليا من الوطنية، وأنه قام بعمل ضد مصلحة بلاده؟ أم أننا سوف نعتيره رجلا شجاعا لم يقبل بالخطأ وأدرك أن حبه لبلاده يتجسد في حرصه على تطبيقها لمبادئ حقوق الإنسان؟! وبما أن هذا المقال منشور في جريدة كويتية يمكننا طرح السؤال ذاته: ماذا لو قام مواطن كويتي بتصوير ونشر حادثة اعتداء رجال الأمن في بلاده ضد مواطن من جنسية أخرى؟!

بكل صراحة أظن أن الأغلبية العظمى من السعوديين سوف تجرد هذا الشخص من وطنيته وستلصق به أبشع التهم، لأن الشعب السعودي مثله مثل بقية الشعوب العربية يعاني مفهوما ملتبسا للوطنية فهو يتعامل مع كل شيء يتعلق ببلاده مثلما يتعامل مع المنتخب الوطني لكرة القدم، فهو لا يرى إلا طريقا واحدا للحق يتمثل في الوقوف مع ابن جلدته حتى لو كان مخطئا، وكل ما عدا ذلك فلسفة لا معنى لها!

إنها جريمة عمرو بن كلثوم القديمة حين قال:

«ألا لا يجهلن أحد علينا ** فنجهل فوق جهل الجاهلينا)

والتي أصبحنا بسببها نخلط بين الوطن الذي يستمد قوته من القانون والقبيلة الجاهلية التي تستمد قوتها من العصبية، وبسبب هذا الخلط أصبحت درجة الانتماء تقاس بالقدرة على إحداث حالة من الجهل تفوق أي جهل آخر! بينما نجد بلدا آخر- نتلذذ بشتمه– مثل الولايات المتحدة الأميركية يحرص نشطاء حقوق الإنسان فيه وكذلك المحطات التلفزيونية والصحف على فضح حرس الحدود الذين يضربون المتسللين المكسيكيين رغم إدراكهم أن هؤلاء المتسللين يخالفون قوانين الهجرة، ويخربون اقتصادهم ويخلون بتركيبتهم السكانية، ولكنهم يرفضون في الوقت ذاته أن يقوم رجل الأمن الذي يتقاضى راتبه من أجل تطبيق القانون بمخالفة القانون وانتهاك مبادئ حقوق الإنسان!

لذلك أظن أن العرب جميعا وليس السعوديين والبحرينيين فقط يجب أن يدركوا أن حب الوطن يكمن في الإصرار على تطبيق القانون واحترام مبادئ حقوق الإنسان، فهنيئا لذلك البحريني الجريء الذي تخلص من نظرية عمرو بن كلثوم وأحب بلاده بالشكل الصحيح.

* كاتب سعودي