من الهجوم إلى الدفاع
تشير مجريات الأمور في إيران إلى أن التيار الإصلاحي بات يخسر المعركة، وإنْ كان لا يمكن الجزم بأنه سيخسر الحرب كلها، فهذا القمعْ الذي لا حدود له والذي وصل إلى حد انتهاك أعراض معتقلي هذا التيار في السجون الإيرانية وهذه المحاكمات، التي تشبه محاكمات "المهداوي" في العراق في ستينيات القرن الماضي، وهذا الرعب الذي بات يعم البلاد يدلُّ على أن الرئيس محمود أحمدي نجاد ماضٍ في هذه المواجهة حتى النهاية. والواضح في ضوء كل هذا الذي يجري، والذي يتواصل يومياً، أن "الإصلاحيين" قد انتقلوا من حالة الهجوم، كما كان عليه الوضع بعد الانتخابات الرئاسية الأخيرة مباشرة، إلى حالة الدفاع، وأنه إذا بقيت الأمور تسير في الاتجاه الذي تسير فيه الآن فإنه بعد الإطاحة بـ"بيادق" الظاهرة الإصلاحية سيأتي دور القلاع الكبيرة، فيصبح غير مستبعدٍ أن يُرى هاشمي رفسنجاني والسيد محمد خاتمي أمام المحكمة "المهداوية" نفسها التي عصرت أبطحي عصراً، وجعلته يرتد على مواقفه وقناعاته السابقة، ويعترف رغم أنفه بكل ما أرادت هذه المحكمة أن يعترف به.
لقد انتقل محمود أحمدي نجاد، الذي بات يقود تحالفاً يضم الاستخبارات، التي أصبح هو رئيسها، والتي لجأ إلى تطهيرها من كل نفَسٍ إصلاحي، ويضم حراس الثورة، من حالة الدفاع إلى حالة الهجوم، وأخذ يزرع الرعب والخوف في كل مكان من خلال السجون والقمع والمحاكم الميدانية، مما اضطر بعض "بيادق" الحركة الإصلاحية إلى الاعتراف بالتخابر مع الخارج والعمالة للولايات المتحدة الأميركية. والآن وقد اقترب سكين محمود أحمدي نجاد واستخباراته وحراس ثورته من رقاب وذقون قلاع الظاهرة الإصلاحية، هاشمي رفسنجاني ومحمد خاتمي ومير حسين موسوي ومهدي كروبي، فإنه أصبح أمام هؤلاء خياران لا ثالث لهما: إما التراجع تحت ضغط القمع والترويع والإرهاب والاعتراف بنتائج الانتخابات الرئاسية الأخيرة، والتسليم بشرعية رئاسة الرئيس من دون أي اعتراض أو تشكيك أو مشاغبة، وإما ارتداء الأكفان البيضاء والذهاب إلى الشهادة بشجاعة سيد الشهداء الحسين بن علي ورفع شعار: "الدم يغلب السيف". والمؤكد أن هؤلاء يعرفون أنهم إن هُم اختاروا طأطأة الرؤوس والإذعان، وبحثوا عن النجاة الشخصية من خلال الاعتراف بشرعية رئاسة محمود أحمدي نجاد ونزاهة الانتخابات المشكوك فيها، التي جاءت به، فإنهم سيقطعون رأس هذه الظاهرة الإصلاحية التي قد لا تستطيع بعد ذلك استعادة التقاط أنفاسها لفترة قد تطول إلى عشرة أعوام، وسيصبحون مضرب مثل سيئ في بلاد ذات تاريخ طويل في الصمود أمام الطغاة ومقاومة المستبدين. بعد الإطاحة بـ "بيادق" الحركة الإصلاحية فإن محمود أحمدي نجاد سيحاول تدمير صورة قلاع هذه الحركة بحملهم، تحت الضغط والإرهاب والقمع الآسيوي الشديد، على الإذعان لشروطه، وهذا سيكون كارثة محققة لإيران ومستقبلها، إذ ستسود فترة ظلامية في هذا البلد المؤثر في المنطقة كلها سنوات طويلة. كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء