إن ما نبحث عنه في الحب هو ما يقدمه لنا الحبيب، وقدرة هذا الحبيب على تلمّس احتياجاتنا، واحتواء بردنا بدفء قلبه، وقدرته على الإمساك بيد عطشنا وأخذه إلى منابع حنانه الصافية، ونشر العصافير المفتونة بالغناء في دوحة أرواحنا الموحشة.
في الحب نريد من الحبيب أن يملأ سماء صيفنا بالغيوم الممطرة، ويملأ مواقدنا بالجمر في الشتاء، ويملأ حناجرنا بالشذى عندما تجف الكلمات، يغير شكل خطوط كفوفنا عندما لا تنبّئ هذه الخطوط عن حظ يفتح خزائن القدر لمطامع شهواتنا، فيجود البخت بكنوزه الثمينة علينا، يحرّض إناث النخل في أمانينا على التناسل تحت رداء الإخضرار، يجفف قمصان أجفاننا عند البلل، يفتح نوافذ الأمل في وجه أحلامنا عندما يحاصرها يأس الحياة، يطبّب قلب نهاراتنا عندما يغرس الدجى خناجره في خاصرتها، ويسهر عند شموسنا عندما تصاب بالحمى ويضع كمادات الحب فوق جبينها ليلا، نريد حبيبا يقرأ حركة شفاهنا، ويعرف ما نقول بدون أن نتجشم عناء الحديث، ويقرأ بوصلة رغباتنا دون أن نرتكب مغبّة البوح، نريد حبيبا قادرا على لململة فضائنا عندما يشتتنا التيه، وقادرا على شفائنا من الأمراض العارضة التي قد تصيبنا، والإحباطات العارضة، وأحجار الطريق العارضة، ويسبقنا بخطوات قليلة أينما سرنا ليمهد لخطواتنا الأمان، وليتأكد من خلو الدرب من أي لغم مختبئ يتنظر خطواتنا ليلتهمها، نريد حبيبا لا يخطئ في أسمائنا، ولا تواريخ ميلادنا، ولا لون أعيننا، ولا قائمة الأطعمة التي تثير الحساسية لدينا، حبيبا يؤنس وحدتنا حين تلفظنا بهجة الحياة، ويعرف خارطة أمزجتنا حين نملّ رتابة أنفاسنا، ويقلّم أظافرنا، ويدلّك فروة رؤوسنا، ويشق شفاهنا بضحكة تفر رغما عنا حين الضجر، ويمرجح بهدوء أسرّتنا قبل النوم على نغم أغنية يشدو بها بصوته العذب. قائمة طويلة ولا تنتهي تتضمن احتياجاتنا من حبيب العمر، نعرف تماما ما نريد من هذا الحبيب، ونتوقع منه تلبية احتياجاتنا تلك، غير مكترثين ولا آبهين بقدراته البشرية المحدودة، لكننا أبدا لا نعرف ولا نريد حتى أن نعرف ما يريد هو منا. نحن غير معنيين باحتياجاته منا، ولا بمزاجه العاطفي، ولا بيباس أوردته، بعضنا يتذاكى فيقول قبل أن أعطي لابد أن أتأكد من أنني سأعطي الشخص الذي يستحق، ولكي أتيقن من أنه ذلك الشخص لا بد أن يوفر كل ما جاء في القائمة أعلاه! هذه مجرد خدعة بشعة، وابتزاز رخيص. لابد أن نفكّر أولا وقبل كل شيء بماذا يريد الحبيب، وماذا يحتاج، وكيف نوفر له احتياجاته ليصبح قادرا هو بدوره على توفير احتياجاتنا. لو أننا تجاهلنا اهتمامنا بما نريد وتركنا هذه المهمة للحبيب لتصبح شغله الشاغل، ومحور حياته، وتركناه يكتشف بنفسه احتياجاتنا النفسية والعاطفية، ويمارس لذة اكتشافنا ومعرفة تضاريس مشاعرنا، وفعل هو في المقابل تماما كما نفعل، لأصبح الحب شراكة فعلية يصعب انفصالها مع مرور الزمن.
توابل
آخر وطن: هو أولاً...!
18-12-2009