هالني هذا الكم الرهيب من التشفي والشماتة بإمارة دبي بسبب أزمة ديونها الحالية، والأغرب أن الشماتة لم تنطلق من البسطاء أو قليلي الثقافة مثلاً، حتى يمكن لأحد أن يتجاوز، إنما من كتاب ومتحدثين سياسيين واقتصاديين، أو هكذا سموا أنفسهم!

Ad

دبي، وحين انطلق بها حاكمها الشيخ محمد بن راشد على طريق التقدم والرقي، لم تطلب من أحد شيئاً، ولم تمنع أحداً غيرها من أن يتقدم أو يرتقي، ولم تسع لسحب البساط من تحت أقدام أي أحد بمنافسة غير شريفة أو غير مقبولة في عالم المال والأعمال، وكل ما هنالك أنها آمنت إيماناً عميقاً بحلم رائد ورؤية طويلة المدى، وانطلقت بكل حماسها وطاقتها وسرعتها، وحشدت كل ما لديها من قدرات وأموال لتحقيق هذا الحلم. وبعد سنوات وحين بدأ حلمها يتحقق ويراه الناس ينمو ويخضر على أرض الواقع، كانت قد فتحت أبوابها على مصاريعها لعشرات الآلاف من الراغبين في العمل والاستقرار، فصارت قبلة لأمم من الخلائق من مشارق الأرض ومغاربها، وهؤلاء في الحقيقة هم ممن عجزت بلدانهم عن توفير المعيشة والحياة الكريمة لهم، أو ممن قصدوا دبي بحثاً عن فرص أفضل للحياة والمعيشة، فتمتع الناس من كل مكان بخيراتها، واستمتعوا بالتسوق في مجمعاتها والسياحة في أرجائها ومرافقها، وتمكنوا من الدراسة والتدرب في جامعاتها ومعاهدها ومراكزها الخاصة، واسثمروا أموالهم فيها، وربح منهم من ربح، بل غني البعض فيها غنى فاحشاً، وأرسلوا أموالهم إلى بلدانهم!

حصل كل هذا ودبي مستمرة في العطاء ونثر الخير في كل أرجاء الدنيا، بمشاريعها التجارية والمالية والعلمية والثقافية والخيرية، دون تلكؤ أو تردد، وكان حاكمها الشيخ محمد وفريقه دائما وأبدا على رأس المسيرة بلا كلل أو تعب، يفتحون الأبواب بابا تلو الآخر ويذللون الصعاب واحدة تلو الأخرى.

واليوم... وحين ألمت بدبي هذه الأزمة الثقيلة، وبعدما أكل الناس على مائدتها وشربوا وارتووا من ينابيعها لسنوات طويلة، وتمتعوا بظلال خيراتها، انقض عليها الشامتون كانقضاض الضباع على فرائسها؟!

والغريب أننا لم نر مثل هذه الشماتة بأي من الدول الاقتصادية الكبرى، وهي التي رزحت تحت نير الديون وتعرضت للانهيارات الاقتصادية منذ أشهر، ولو عددنا الكوارث الاقتصادية التي ألمت بالولايات المتحدة الأميركية وحدها لوجدناها أكثر من أن تحصى، فمئات المصارف أفلست ومئات الشركات أغلقت أبوابها ومئات الآلاف من الأشخاص فقدوا وظائفهم، وديون بالمليارات تنتظر السداد، وغيرها وغيرها من البلدان، ولكن رأيناه اليوم وبهذا القدر تجاه دبي، فلماذا؟ هل لأن دبي خالفت ما يؤمن به أعداء النجاح، ممن يرتعون في بلدان الإفلاس والفشل وممن يعيشون بين ظهراني شعوب الكسل والاتكالية وفقدان الأمل، وأثبتت أنها قادرة على معرفة الوصفة السحرية والنجاح؟ هل كانت جريرتها أنها قدمت نموذجاً عربياً فريداً للنجاح والتقدم، وأنها حققت في وقت قياسي قصير ما عجزت عنه دول العالم، ناهيك عن الدول العربية بطبيعة الحال؟!

حين انطلقت دبي إلى الأعلى لم تطلب من أحد شيئاً، وأسعدها فوق هذا ألا تستأثر بشيء لنفسها وأن تنثر الخير على القاصي والداني، وما أنقصها ذلك من شيء بل زادها قيمة وبهاء وزهاء في عيون المؤمنين بها ومحبيها، واليوم وهي تتعثر في مسيرتها، وليس هذا بعيب بل هو لازمة من لوازم كل مسيرة حقيقية جادة، فما كانت لتلتفت لأحد تطلب المعونة، وكلي ثقة بأنها قادرة على أن تقيل نفسها من عثرتها بمساعدة أهلها وإخوانها الحقيقيين، وستعود أجمل وأثقل بإذن الله، لأنها ستعالج سلبيات مسيرتها السابقة وستركز أكثر على تلك الأبعاد الإنسانية والاجتماعية التي قد تكون أغفلتها في خضم مسيرة نهضتها، مستفيدة من دروس هذه التجربة القاسية ولا شك.

حماك الله يا دبي، حماكم الله يا أهلنا في دبي وسائر الإمارات العربية المتحدة. حماكم الله يا من أثبتم لنا أن العرب في ظل قيادات جيدة قادرون على تحقيق المستحيل، وعلى إخراج بلدانهم من عمق الصحراء القاحلة، إلى واحات المؤسسات والأنظمة والقوانين والعمران والسياحة والتقدم والنجاح، وأن يجعلوا منها علامات عالمية يشار إليها بالبنان، رغم أنوف أعداء النجاح والشامتين!

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة