كنت في السابعة عشرة من عمري عندما سمعت باسم السيد محمد حسين فضل الله لأول مرة، وكان ذلك في عام 1984 من خلال بعض الأصدقاء في الجالية اللبنانية في ديترويت في الولايات المتحدة الأميركية، حيث كنت أدرس في ذلك الوقت. تعرفت أكثر على سماحة السيد من خلال نجله السيد أحمد الذي كان موجوداً للدراسة أيضاً، لكن الحادثة التي شدتني للتعرف إلى شخصية السيد فضل الله هي محاولة الاغتيال التي تعرض لها في ضاحية بئر العبد في بيروت عام 1985 من قبل الاستخبارات الأميركية، وبتمويل عربي– كما كشف عن ذلك بوب ودورد فيما بعد في كتابه خلف الأسوار- حيث كان السيد المطلوب رقم واحد لهم.

Ad

مازلت أتذكر مشاعر القلق التي عاشها محبو السيد في الجالية اللبنانية في ديترويت على مصيره عندما كانت محطات التلفزة الأميركية تنقل بصورة متواصلة أخبار حادثة التفجير في بيروت والتي راح ضحيتها أكثر من 80 ضحية، ونجا السيد منها بأعجوبة لأنه تأخر في بيته أكثر من ربع ساعة للإجابة عن أسئلة امرأة عجوز جاءته قبل صلاة الجمعة، فكانت العناية الإلهية وأخلاقه العالية التي لم تدعه يترك المرأة العجوز دون الإجابة عن كل أسئلتها هي التي أنقذته من القتل.

ازداد إعجابي بالسيد فضل الله بعد أن بدأت أقرأ كتبه وأستمع إلى العشرات من أشرطة تسجيل محاضراته، وما شدني إليه كثيراً أني وجدت فيه عالماً دينياً غير تقليدي، يحاول أن يفهم النصوص الإسلامية والحوادث التاريخية بطريقة مختلفة عن الآخرين، وهذا دأب العلماء المبدعين، ولكن هذا الأمر جلب له المتاعب والتشويش من قبل الذين لا يريدون لعقولهم أن تفكر ولا لأفكارهم أن تتحرر.

 كنت أحسد السيد فضل الله على الطاقة العجيبة التي يمتلكها، فعندما كان يأتي في زيارة لأميركا لحضور أحد المؤتمرات الطلابية كان يظل طوال اليوم في نشاط دائم، بداية من صلاة الفجر مروراً بسلسلة من المحاضرات واللقاءات التي لا تنقطع مع شتى مشارب الناس حتى ساعات الفجر الأولى، وكان لا ينام أكثر من أربع ساعات.

منذ ذلك الوقت تعلقت بشخصية السيد فضل الله، ولم أكن أفوت الفرصة لحضور مجلسه عندما كان يأتي لأداء مناسك الحج مع حملة التوحيد الكويتية التي كانت تشبه خلية النحل لكثرة الزوار الذين يفدون لزيارة سماحة السيد، إما للسلام وإما لطلب الفتوى وإما لحل مشاكل عالقة، ورغم طول اللقاءات وتوافد الزوار وكثرتهم فإن الابتسامة لم تكن تفارق محياه النوراني... هذا في الجانب الاجتماعي، أما في الجانب الروحاني فلم يطرق أذني أعذب من صوته عندما كان يسترسل في الدعاء مناجياً ربه.

حياة سماحة السيد فضل الله رضوان الله عليه كانت حافلة بطلب العلم والجهاد منذ سنيه الأولى في أوائل الخمسينيات من القرن الماضي عندما نشأ وترعرع في النجف الأشرف مع رفيق دربه في العلم والنضال الشهيد السعيد محمد باقر الصدر، ثم انتقاله إلى لبنان في عام 1966، وحينها قال عنه الشهيد الصدر قولته الشهيرة "كل من خرج من النجف خسر النجف، إلا السيد فضل الله فقد خسرته النجف".

 أما جهاده فهو غني عن التعريف، فهو من بين القلة الذين صمدوا في بيروت أيام الاحتلال الإسرائيلي لبيروت عام 1982، وكان هو من أوقد جذور المقاومة الإسلامية ضد إسرائيل، حيث تربى جيل الشباب المقاوم على يديه، فكان أن ثمرة ذلك طرد المقاومة للعدو الإسرائيلي عام 2000، وهو ما عجزت عنه جحافل الجيوش العربية.

لا تكفي سطور قليلة لبيان عظمة شخصية السيد فضل الله وصفحات العلم والجهاد التي كتبها لأكثر من ستة عقود من عمره المبارك، وأجزم أن هذه السطور لا تفيه حقه، لكنها جهد المقل وحيلة العاجز، وحسبي بها شقشقة هدرت ثم قرت... رحم الله السيد فضل الله ورزقنا شفاعة جده والأئمة الأطهار من ذريته.

***

تعليق: حرية التعبير النسبية هي الشيء الوحيد الذي تفتخر به الكويت على بقية الدول العربية التي تحكمها أنظمة تسلطية، وحتى هذه الميزة الوحيدة يريد من هم في السلطة القضاء عليها- بشكل مباشر أو غير مباشر- تحت ذريعة الدفاع عن الهيبة.

هناك حل بسيط لمن لا يتحمل النقد وهو أن يجلس في بيته معززا مكرماً، وأنا على يقين أن أحداً لن يتعرض له بكلمة، أما ما دامت مصالح العباد والبلاد في يده فعليه أن يتقبل النقد مهما كان قاسياً. ببساطة لا نريد ولا نقبل أن نكون فداوية نردد "حاضر طال عمرك".