زمن عبدالله السالم 
 محمد الرشيد والباخرة دوراكا

نشر في 02-09-2009
آخر تحديث 02-09-2009 | 00:00
 أ.د. غانم النجار للنائب السابق محمد الرشيد منزلة كبيرة في نفسي، وبيني وبينه مواقف عديدة أظهرت معدنه الوطني المستقل ودقته في نقل الأحداث وحرصه على حفظ كل ورقة وتسجيله لكل حدث، وأظن أن في مكتبته ثروة وثائقية لا تقدر بثمن، وأتصور أن يكون الأخ د. أنس الرشيد يعمل على تبويبها، ومنذ أن تكونت بيني وبينه علاقة في سنة 1980 كأحد مصادر بحثي لرسالة الدكتوراه استمرت عبر محطات عدة في أيام ديوانيات الاثنين، وتصادف وجودنا سوياً أثناء زيارتنا للأسرى الكويتيين في بعقوبة أيام الغزو، حيث سرت معه يداً بيد نتحدث إلى الأسرى. ولكن ما هي علاقة محمد الرشيد بحديثنا عن عبدالله السالم؟
في سنة 1984 بدأت بكتابة زاوية على الصفحة الأخيرة بجريدة «الوطن» بتوقيع «كويتي عتيج» أثارت حينئذٍ جدلاً واسعاً وردوداً كثيرة، واستمرت تلك الزاوية على مدى سنتين، وتوقفت عن النشر بعد حل المجلس سنة 1986 وفرض الرقابة المسبقة على الصحافة، إذ لم تكن كتابات كويتي عتيج من النوع الذي تسمح به الرقابة آنذاك. كان من ضمن الردود المهمة والدقيقة جداً مقالة نادرة للعم محمد الرشيد يعقب فيها على مقال لكويتي عتيج حول ظروف تولي الشيخ عبدالله السالم للحكم.

عندما توفي الشيخ أحمد الجابر في 29 يناير 1950 كان عبدالله السالم في مسقط للتباحث مع السلطات العمانية حول شحنة ذهب كما قيل حينئذٍ. وقد أثارت مصادفة عدم وجود عبدالله السالم في الكويت تحفز الإنكليز، وتخوفهم من حدوث مشاكل في الكويت، بل إن الأوامر أعطيت لتحريك قطعتين بحريتين للتعامل مع ذلك الاحتمال، الذي كان احتمالاً غير مستند إلى أساس.

ويروي العم محمد الرشيد رحلته على الباخرة دوراكا القادمة من الهند والتي كان على متنها مصادفة ونقلت عبدالله السالم من مسقط إلى الكويت، إذ يقول:
«كنا في الباخرة دوراكا راجعين من الهند إلى الكويت وفي صحبتي حمد بوقريص وناصر الوهيب ويوسف أحمد الصقر وعبدالله العبدالوهاب المرزوق، وبصحبته زوجة عمه المرحوم محمد المرزوق الداوود... وقد وصلنا إلى مسقط عصر الجمعة 27 يناير 1950، وعلمنا أن الشيخ عبدالله السالم سيسافر معنا في الباخرة، وفعلاً وصل الشيخ عبدالله في التاسعة مساءً وبمعيته الشيخ عبدالله الخليفة وأحد الخدم واسمه عبدالله، كذلك وصل المقيم السياسي البريطاني ومعه زوجته وابنتاه وسكرتيره وزوجته، وغادرت الباخرة إلى البحرين التي وصلنا إليها بعد الظهر وكان الهواء شديداً جداً. وأقمنا في البحرين من يوم السبت 28 يناير حتى الاثنين 30 يناير 1950، وكان الهواء لايزال شديداً جداً... وكان عبدالله السالم طوال هذه الأيام يمرح مع حمد بوقريص، ومشت الباخرة من البحرين مساء 30 يناير متجهة إلى رأس تنورة و»في المساء» جاءنا عبدالله المرزوق ليخبرنا بوفاة الشيخ أحمد الجابر، إذ وصل الخبر عن طريق برقية بعث بها «رئيس الخليج» إلى الشيخ عبدالله السالم ثم برقية ثانية من عبدالله ملا صالح وتوالت البرقيات، وفي الصباح ذهبنا إلى عبدالله السالم في حجرته وعزيناه وكان يرد علينا بكلمة الدوام لله كل حي ميت ولم يطلع من الحجرة بتاتاً بعدما علم بوفاة أحمد الجابر. وفي صباح 31 يناير وصلنا إلى رأس تنورة وأقمنا فيها إلى ما بعد الظهر، وغادرناها ووصلنا إلى الكويت صباح الأربعاء 1 فبراير، وعند وصولنا إلى الكويت حضر الشيوخ جميعهم إلى الباخرة، ونزل عبدالله السالم ومن معه وتوجهوا إلى الرصيف القديم في الشويخ، لأن الماية كانت قراح «أقصى الجزر» في «النقعة». انتهى كلام محمد الرشيد.

ربما كانت رواية العم محمد الرشيد عن رحلة عبدالله السالم هي فريدة من نوعها بتفاصيلها، نسأل الله الشفاء والعافية للعم محمد الرشيد وجزاه عنا خير الجزاء لما أسهم به في خدمة هذا الوطن، كما أنها مناسبة في السياق لتذكر العم محمد الرشيد، بل إن التفاصيل قد تعطي لمحة عن طبيعة التغير الذي طرأ على المجتمع.

هكذا إذاً عاد عبدالله السالم، وخابت تقديرات الاستخبارات البريطانية عن احتمال حدوث صدام حول الحكم بسبب غياب عبدالله السالم، كما خابت تقديراتها في أن الخلاف بين الشيخ عبدالله المبارك والشيخ فهد السالم سيتحول إلى نزاع مسلح. لم يحدث شيء من هذا القبيل، بل لم يكن هناك من بين الشيوخ من نافس عبدالله السالم، وكان نقلاً هادئاً للسلطة، إلا أن الأزمة التي لم يكن عبدالله السالم يتوقعها حدثت مع الإنكليز الذين عطلوا وأخروا اعترافهم به، فكيف حدث ذلك، ولماذا؟
 

back to top