«أدعو أوباما لمناظرة إعلامية مفتوحة وفي الهواء الطلق لأن عالم الغرف المغلقة والصفقات من تحت الطاولة قد ولى، وشعوب العالم باتت واعية بما فيه الكفاية»... «وأما بالنسبة لحقوقنا الثابتة فيما يخص الطاقة النووية فليس هناك ما نفاوض عليه مع أحد، ولكن إذا كان ثمة من يرغب في ذلك فنحن أهل منطق وحوار، ومستعدون لنجلس إليه في إطار معادلة ندية متكافئة، ولكن ليس للتفاوض حول حقوقنا الوطنية، بل حول دور إيران في أمن الطاقة العالمي وحول التعاون لتدمير أسلحة الدمار الشامل في المنطقة والعالم». هذا أهم ما قاله الرئيس الإيراني بعد بدء الدورة الثانية لولايته وهو يستعد لزيارة نيويورك للمشاركة في الاجتماعات السنوية للجمعية العامة للأمم المتحدة، وتأتي تصريحات الرئيس الإيراني هذه في ظل أنباء مؤكدة عن تسلم القيادة الإيرانية العليا رسالة من الرئيس أوباما هي الثانية له منذ تسلم الأخير للسلطة من سلفه الرئيس بوش، مع أنباء غير مؤكدة لكنها متداولة بشكل واسع تفيد بوجود مساع حميدة تبذلها أطراف ذات علاقة طيبة مع كل من واشنطن وطهران لجمع الرئيسين أوباما وأحمدي نجاد على هامش اجتماعات نيويورك، ولو بحد المصافحة العابرة والسؤال عن الخاطر. لكن ما يحصل ميدانيا في منطقتنا يثير أكثر من تساؤل مشروع حول إذا ما كان الرئيس الأميركي يملك زمام أمره بالفعل أم لا؟! فهو من جهة يبدو وكأنه غارق من أعلى رأسه حتى أخمص قدميه، في مخطط التطويع الشامل للمنطقة، من خلال المشروع الصهيوني القاضي بانتزاع تطبيع مجاني شامل من العرب والمسلمين مقابل خطوة وهمية تضليلية اسمها وقف مؤقت لبعض الاستيطان، وهو ما ستقاومه إيران بكل قوة لأنها «لا تعترف ولن تعترف يوما بشيء اسمه الكيان الصهيوني، ولن تعير له أي أهمية» كما قال نجاد. ومن جهة أخرى فهو يساق جبرا على ما يبدو للعودة إلى منطق سلفه بوش في المسألة العراقية، والذي يقضي بدفع سلطات بغداد إلى معاداة سورية وإيران ودول الجوار عموما، ومنع قيام أي «تعاون إقليمي واسع مطلوب بحكم الضرورة الاستراتيجية تشكل فيه سورية والعراق النواة الرئيسة» كما قال نجاد والذي

Ad

توقع أن يرتد على أصحابه بالخيبة العاجلة.

وأما من ناحية الشرق فإنه يدفع قسرا وتحت وهم لم يستطع الخروج منه أرباب الأحلام الإمبراطورية، ألا وهو أن بالإمكان السيطرة على الوضع في أفغانستان في ظل معاداة إيران أو تجاهلها، وهو أمر سيدفع بالإمبراطوريين القدامى والجدد، إما إلى التيه مجددا وإما أن تبتلعهم بلاد «نورستان» ومعهم حلف الأطلسي برمته.

وأما على الجهة الأخرى حيث يبدو أن بعض من لايزال يتوهم من خلاياهم التائهة في لبنان، وبالتعاون مع ما بات يسمى بـ«عرب الاعتدال» أن بالإمكان استبدال العدو الإسرائيلي بعدو وهمي اسمه إيران.

ساذجون هؤلاء جميعا إذا ما أحسنا الظن، ومنخرطون في مخطط جهنمي سيسرّع في نهاياتهم، إذا ما فكروا جديا أن أيا من هذه الأوهام يمكن أن يتحول إلى حقيقة.

فخالد مشعل في طريقه إلى إيران لإعادة رسم خريطة تحالف القوى الممانعة والمقاومة العربية منها والإسلامية والقائمة على مرتكزي دمشق وطهران،

و«حزب الله» لبنان في أعلى جهوزيته لرد الصاع صاعين لكل من تسول له نفسه التفكير مجرد التفكير في العدوان على لبنان. 

 وطهران طورت من أجهزة ردعها الصاروخي كما جاء في الأخبار ليس فقط لجعل أي تفكير بالخيار العسكري مستحيلا ضدها، بل حتى تدمير أي صاروخ ولو مفرد متجه إلى أي من مؤسساتها الحيوية بأي حجة أو ذريعة كانت.

في هذه الأثناء ثمة في طهران من ينصح المترددين من «عرب الاعتدال» بإعادة فتح قنوات الحوار مع إيران قبل فوات الأوان بدلا من «الانخراط في المخططات الإعلامية والدعائية العدائية الموجهة من خارج هوية المنطقة» كما وصفها أحمدي نجاد والذي قال «إن الوقت لم يعد في صالحها» مشجعا أمين عام الجامعة العربية على دعوته للحوار مستغربا عليه تأخره، موضحا أن سبيل ذلك هو الرؤية العربية السليمة التي تقودها سورية والجزائر وقطر والكويت وسلطنة عمان والسودان وبعض الدول العربية التي تمتلك أفضل العلاقات مع طهران كما سماهم أحمدي نجاد بالاسم.  أما على الصعيد الأممي الذي لا يقل أهمية عن كل ما تقدم فقد شهدت طهران خلال الأيام الماضية حراكا لاتينيا مهما، قاده زعيم ما بات يعرف بلاهوت التحرر والتحرير، أي هوغو تشافيز، حيث جدد الطرفان من جديد أهمية قيام نواة أممية جديدة تقارع الطغيان والهيمنة والسيطرة العالمية على كل المستويات، وهو ما تمت مناقشته باستفاضة بين تشافيز والمرشد الأعلى الإمام السيد علي خامنئي. وتشافيز هذا لمن لايزال يعيش عصر التقوقع في شرنقة القبيلة والطائفة والمذهب أو منخرطا في حروب الفتن الطائفية المتنقلة بتوجيه من بلاك ووتر وغيرها من «منظمات الأمن» الإرهابي المنظم، قد قام بزيارة مرقد الإمام الرضا عليه السلام وأفطر مع الصائمين من أهل مشهد برفقة الرئيس أحمدي نجاد وحكومته، وذلك تضامنا مع من سماهم بالمجاهدين المتدينين بدين التحرر من العبودية للإمبريالية الأميركية.

إنه عالم جديد ينهض أمام عالم قديم يأفل نجمه وينهار شيئا فشيئا، ولو كره المرجفون في المدينة.

* الأمين العام لمنتدى الحوار العربي - الإيراني

 

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء