يروى في قصص الأمثال أن رجلاً كان يعمل ببيع الحبوب من أرز وقمح وشعير وعدس، وكان له دكان كبير في أول الزقاق الذي يسكنه، وكان للرجل زوجة جميلة، ولكنها كانت لعوبا ماكرة، وكانت قد اتخذت لها عشيقاً شاباً يزورها من حين إلى آخر، عند غياب زوجها، وفي ذات يوم جاء العاشق لزيارة المرأة في بيتها، وجلس معها يتحدثان، وبينما هما كذلك دخل عليهما الزوج على غير عادته في المجيء إلى البيت، ورأى امرأته تجلس مع ذلك الشاب الغريب، فاستولى عليه الغضب وثارت النخوة في رأسه، فاستل خنجره من غمده وهجم على الشاب الغريب يريد قتله، فلما رأى الشاب ذلك أسرع بالفرار من البيت، وولى هارباً، ولكنه خشي أن يفتضح أمره بين الناس فلما مر من أمام دكان الرجل غرف بيده قبضة من العدس المعروض للبيع واستمر في ركضه، وهو يصيح مستنجداً ليوهم الناس أن الرجل يريد قتله من أجل ذلك العدس الذي أخذه من الدكان، ورأى الناس ذلك فصاحوا بالرجل: "على هونك... تقتل شخصاً من أجل قبضة عدس... اتقِ الله يا رجل"، فصاح الزوج المسكين بهم قائلاً: "الحق وياكم... اللي يدري يدري... واللي ما يدري يقول قبضة عدس". هذا المثل يضرب عندما يحكم على الإنسان على ظاهر الأمور ويغفل عن بواطنها.

Ad

هذا المثل ينطبق على استجواب وزير الإعلام المقرر اليوم، فدوافع الاستجواب ومواقف النواب منه تبدو واضحة، فالداعمون للاستجواب يقولون إنهم ينتصرون للقانون ويدافعون عن الوحدة الوطنية، وأما من أعلن تأييده للاستجواب من النواب فيقول إنه استجواب مستحق وفق حسبة معينة، ومن لم يعلن رأيه في الاستجواب أيضاً له حسبة أخرى. دوافع أغلبية النواب في هذه المواقف غير ما هو معلن، فلكل من المستجوبين والداعمين والمتريثين أهداف لا علاقة لها بما هو معلن بالاستجواب.

إذا جئنا لداعمي الاستجواب الذين يدَّعون أنهم يدافعون عن تطبيق القانون ويعيبون على الوزير عدم تطبيق قانون المرئي والمسموع، نجد أن أكثرهم هم أول من "يدوس في بطن القانون مراراً وتكراراً"، والحقيقة أن الأمر لا يتعلق باحترام القانون ولا هم يحزنون، بل يتعلق بهجمة مرتدة على الموضوع الذي أثاره الجويهل حول ازدواجية الجنسية لدى شريحة من أبناء القبائل، وما يدل على ذلك أن الحكومة التي كانت ساكتة عن موضوع ازدواجية الجنسية لفترة طويلة عادت لتشهر ورقة التهديد أمام داعمي الاستجواب بفتح هذا الملف إذا وصل الأمر إلى طرح الثقة، وكأنها تقول لهم "ديروا بالكم ترانا ساكتين عنكم، لكن إذا تماديتم فلا تلوموا إلا أنفسكم".

إذا جئنا لمؤيدي الاستجواب أو المتريثين نجد أن قسماً كبيراً منهم لا يهمه موضوع الاستجواب ولا الوحدة الوطنية لا من قريب ولا من بعيد، إنما يترقب الموقف لكي يحصل على مكاسب إما في ملف آخر وإما على شكل مناصب قيادية كمقابل لموقفه من طلب طرح الثقة، وهو الطلب الذي من المؤكد أن يقدم في نهاية جلسة الاستجواب لكي يفتح باب المساومات في الفترة الفاصلة بين جلسة الاستجواب وجلسة طرح الثقة. أغلب الظن أن جلسة الاستجواب ستكون أقرب إلى مهرجان خطابي للتباكي على الوحدة الوطنية وعلى القانون مع أن بعض من سيتحدث مزق ويمزق الوحدة الوطنية والقانون إرباً إربا، وأحرقهما وذر رمادهما فـي يوم عاصف، ثم يأتي اليوم ليذرف دموع التماسيح عليهما.

كون أغلبية النواب لهم غايات لا علاقة لها بموضوع الاستجواب لا يعني أن الوزير مظلوم أو أنه وزير كفؤ، بل على العكس من ذلك، فالوزير أثبت أنه من أضعف وزراء الحكومة، وأنه لا يستطيع إدارة وزارة واحدة، فما بالك بوزارتين؟! ولكن حتى لا نظلم الوزير كثيراً نقول إن أغلبية الوزراء ليسوا بأفضل حال منه.

 خلاصة الكلام أن "اللي يدري يدري.. واللي ما يدري ربما يقول: قبضة عدس"... أقصد ربما يقول إن الاستجواب جاء للدفاع عن المصلحة العامة.