في لحظة ما، يصعب الآن تحديدها، وتحت وطأة مجموعة من الأسباب ليس من الصعب تحديدها وقع الخلل الاجتماعي البغيض الذي ينبئ بحالة قاتمة إذا لم نتمكن من معالجته. الصورة التي نشرتها الصحف لمجموعة من العصي والهراوات التي جمعتها الشرطة لمجموعة من الشباب "يحتفلون" بالأعياد الوطنية للكويت تثير علامات استفهام كبيرة، وتدعونا إلى قراءة ما وراء الصورة. أعداد الشباب الذين لقوا حتفهم في "الاحتفالات" مؤشر يدعو المهتمين بالبحث الاجتماعي إلى قراءة المشهد بشكل جدي ودراسة هذا التدهور البغيض في السلوك الاجتماعي وثقافة الرعب التي يمارسها الفرد بحق الآخرين ثانياً وحق نفسه أولاً.

Ad

قد تبدو الحلول التي يتبناها دعاة الحظر والمنع وفرض حالة الكبت على المجتمع هي الحلول الوحيدة التي يتم تداولها في حالة التعليق على انحدار السلوك الاجتماعي، وكأن ذلك السلوك الانحرافي يتم ونحن نعيش في أوج الحرية الفردية، ولكنها حلول تقع تحت بند الكي وهو آخر مراحل العلاج. إضافة إلى ما لهذا الكي من تداعيات ستكون أكثر خطورة من الوضع الذي يسبقه. هذه الحلول ارتفع صوتها في ظل غياب صوت رجال الاجتماع والتربية عن دراسة هذا الانحراف السلوكي في نمط الحياة.

الثقافة التي تتصلب وينمو صوتها يوماً بعد يوم هي ثقافة الفوقية وإحساس الفرد بأنه فوق سواه من أقرانه الذين يعيشون معه ويشاركونه الحياة ومهمة تفعيلها. هي ثقافة الإحساس بالتفرد دون إنجاز حقيقي يستحق هذا التفرد. الفرد، كما يرى نفسه، هو الشخص الخارق الذي يعرف القانون ولا يطبقه، وهو الشخص الذي يتكئ على سلطة في الظل تحميه إذا أخطأ وتنصره ظالماً قبل أن تنصره مظلوماً. هذه الفوقية لم تنشأ من فراغ ولم تكن إحساساً واقعياً إلا بمجموعة من الممارسات السابقة لنفوذ سلطة الظل واختراقها لقانون المجتمع.

لن نبرئ الفرد في خروجه من سلطة القانون والأخلاق، ولكننا لن نلقي اللوم عليه وحده. الذي يقرأ جدلية المشهد السياسي يشهد صراعاً يومياً يأخذ منحى تقسيم المجتمع وتكريس وضعه الطبقي، عوضا عن تكريس وحدته الوطنية رغم التشدق الزائف بهذه الوحدة الوطنية. والفرد يقرأ بين السطور جيدا ويعلم أنه يتجه شعورياً أو لا شعورياً نحو انتمائه الفئوي. وليست ممارساته الشاذة بحق القانون سوى نتيجة لهذا التكريس لا سبب فيه. ولتأكيد ذلك لننظر الى لغة الحوار السياسي اليومية.

في ظل ممارسات السياسي، وأقصد البرلماني تحديدا، للشأن العام وغيابه عن الشأن السياسي الذي انتخب من أجله، وفي ظل عمله كمصلح اجتماعي ووسيط قانوني ورقيب ثقافي وإعلامي ومحلل مالي وخبير رياضي وواعظ ديني، وكاتب صحافي يبقى الحل الوحيد هو أن يخرج أساتذة الاجتماع وعلم النفس والتربية من مكاتبهم إلى الشارع، وأن نعي معنى الاختصاص وأهميته. وأن يعي السياسي دوره التشريعي بعيداً عن مكاسبه الذاتية وحساباته الفئوية، وأن يؤمن بأهمية دور الآخر في اختصاصه. وذلك لن يتم طواعية وإنما بتفعيل مؤسسات المجتمع المدني. فنحن لدينا رابطة اجتماعيين وجمعية معلمين وجمعية صحافيين ورابطة أدباء، ولكننا حتى هذه اللحظة لم نر ندوة نوعية أو دراسة واقعية تتناول ما يحدث في ظل تنامي معدل الجريمة، وكأن ما ينشر يومياً من جرائم وممارسات لا يستحق الدراسة. هناك متسع من الوقت اليوم لهذا الخروج ولتدارك الخطر، ولكنه قد يصل إلى مرحلة الاستعصاء في المستقبل. وربما يصل إلى إيمان الفرد المطلق بأن من يحميه هو قبيلته وفئته ونائبه الذي انتخبه وعصاه أو قناته التي يضعها تحت مقعد سيارته!