شياطين الخصخصة
أعتقد أن المثل الإنكليزي المعروف "الشيطان يكمن في التفاصيل" ينطبق على قانون الخصخصة الذي تم التصويت عليه في المداولة الأولى الأسبوع الماضي. فالكل مجمع على أن الخصخصة هي أسلوب اقتصادي ناجح، وهو مطبق في دول ذات اقتصادات ناجحة، وهذا كلام حق، أما الشياطين فتكمن في ثنايا مواد القانون والأحشاء الداخلية له، فالسجال الدائر حول قانون الخصخصة يعكس أهمية هذا القانون، وهو بالفعل يستحق بالغ الاهتمام لأنه إذا أقر فسيكون له تبعات بالغة التأثير في المجتمع.للعلم فإن الجدال حول دور القطاع الخاص ودور القطاع الحكومي ليس بدعة كويتية، بل يدور حتى في الدول المتقدمة، ففي بريطانيا- على سبيل المثال- يحتدم النقاش في الحملة الانتخابية بين حزب المحافظين الذي يطالب بالتوسع في دور القطاع الخاص، وحزب العمال الذي يدافع عن ضرورة أن يظل للدولة دور في إدارة قطاعات حيوية بالنسبة للمواطنين، حتى لا يصبحوا أسرى لجشع القطاع الخاص، لذا فإن تخوف الكثيرين من أن يكون قانون الخصخصة مدخلاً لابتلاع أباطرة القطاع الخاص للمرافق العامة في البلد هو تخوف مشروع.
من المتفق عليه بين الاقتصاديين أن الخصخصة ترفع من جودة الخدمة وتقلل الكلفة المالية على الميزانية العامة، ولكن في المقابل فإن هناك جملة سلبيات في تطبيق قانون الخصخصة، وأهم هذه السلبيات تقليل فرص العمل، ولذا أستغرب من قول المتحمسين للخصخصة من أن الخصخصة ستوفر فرص عمل إضافية، إذ كيف ستوفر فرص عمل إضافية والقطاع الخاص يحاول إدارة أي مرفق بأقل عدد من الموظفين؟! على ضوء هذه الحقيقة ما مصير الأعداد الكبيرة من طالبي الوظيفة؟ فهل في القانون ما يكفي من ضمانات لاستيعاب الأعداد المتزايدة من طالبي العمل التي ستبلغ 16 ألف شخص خلال السنوات الخمس القادمة؟ أعتقد أن هذه النقطة بالذات هي الأهم، لأن الحصول على وظيفة في ظل الوضع الحالي أصبح أمراً بالغ الصعوبة، فما بالك إذا تمت خصخصة مجموعة من قطاعات الدولة؟!ما يزيد من التحفظ على الاندفاع غير المحسوب نحو الخصخصة التجارب السابقة لمحاولة استيعاب القطاع الخاص للعمالة الكويتية، فهذه التجارب غير مشجعة على الإطلاق، فقد رأينا أنه مع أزمة اقتصادية عارضة قامت بعض شركات القطاع الخاص بـ"تفنيش" مئات من الموظفين الكويتيين. قانون الخصخصة ينص على أن يحتفظ العاملون الكويتيون في المؤسسات "المخصخصة" بوظائفهم لمدة خمس سنوات، ولكن السؤال ماذا سيكون عليه مصير عشرات الآلاف من الموظفين بعد ذلك، فهل سيتجهون إلى ما تبقى من مؤسسات حكومية، وهي مكدسة من الأساس؟! أم سيتحولون إلى عاطلين عن العمل ونكون وقعنا فيما نهرب منه؟!رغم أن الإحصاءات تظهر أن نسبة العاملين الكويتيين في القطاع الخاص تبلغ 17%، فإن نسبة كبيرة من هذه العمالة هي عمالة وهمية، وإذا ما طرحنا نسبة العمالة الوهمية، فإن نسبة الكويتيين في القطاع الخاص لن تزيد على 6 أو 7%، وهي نسبة تتركز بشكل كبير في قطاع البنوك (11 ألف عامل)، وهو ما يعني أن القطاع الخاص غير مهيأ لاستيعاب النسبة المأمولة من العمالة الوطنية. بدلاً من التسرع في تطبيق الخصخصة يفترض أن يتم إقرار البيئة المناسبة للخصخصة وأهمها تفعيل قانون منع الاحتكار وتشريع قانون حماية المستهلك والتشدد في إجبار القطاع الخاص على توظيف مزيد من العمالة الوطنية. في ظل حرب المصالح ومحاولة استحواذ "هوامير" المال على مؤسسات الدولة المنتجة، فإن تطبيق الخصخصة هو قفز إلى المجهول إن لم يكن أسوأ.