اليأس من السلام والتخلي عن مشروع الدولة: هذا ما يريده اليمين الإسرائيلي

نشر في 17-12-2009
آخر تحديث 17-12-2009 | 00:00
 أ. د. محمد جابر الأنصاري أمسك بي دبلوماسي عربي مخضرم عنوة، على طريقة «البحار القديم» في قصيدة الشاعر الإنكليزي الرومانسي كولردج في إمساكه بمن يصادفهم مصادفة في الطريق، وأمطرني بالقول دون أن يترك لي فرصة للاعتراض: «العواطف الثائرة يمكن أن تحجب الرؤية، ويمكن أن يخسر طرف معركته السياسية إذا سمح للعواطف الانفلات من عقالها دون رؤية متأنية. وكما قال المتنبي: «الرأي قبل شجاعة الشجعان»، ونعتقد بأمانة، ودون استسلام للعاطفة، التي نرى...».

ولم أتمالك فقاطعته قائلاً: «لابد من القول إن العاطفة مشروعة عربياً في الظرف الراهن نظراً للأوضاع المحيطة بالعرب من كل جانب، خاصةً تعنت اليمين الإسرائيلي المتطرف الحاكم، وتحديه لمواقف الرئيس الأميركي من عملية السلام، واتضاح ضعف الإرادة السياسية للإدارة الأميركية بعد أن رفعت سقفاً عالياً من التوقعات»، فسارع إلى القول: «دون استسلام لهذه العاطفة «المشروعة» عربياً في ضوء المعطيات المذكورة، فإنه لا يجوز التنازل عن عملية السلام والانسحاب منها مهما دعت الظروف الآنية لذلك، إذْ سيكون الانسحاب خطأ تاريخياً فادحاً، ومغامرة معلقة في الهواء، لا تأخذ في الاعتبار توازنات القوة القائمة بين الطرفين».

فقلت: «نعـم... علينا الاعتراف أن توازنات القوة، بمعناها الحقيقي، ليست لمصلحة العرب...». فبادرني إلى القول: «وفي ضوء هذه الحقيقة التي لا مفر منها، فإن الجانب الإسرائيلي يفرض ما يريده من «اللامعقول» لأن الجانب العربي أضعف من أن يقف في وجهه! ومنذ حرب أكتوبر 1973 التي شارك فيها أهم جيشين عربيين من مصر وسورية، بمساهمة كتيبة من العراق، وأخرى من المغرب، مع دخول المال العربي في دعم المجهود الحربي، لم تجر محاولة عربية لتجاوز الاختلال. إن جيوب المقاومة، كما في غزة وجنوب لبنان تقاوم بقوة لكنها لن تستطيع تغيير الميزان. فإسرائيل مازالت تحتفظ بالتفوق... والمهم النتيجة البعيدة: في الظرف التاريخي الراهن ليس أمام العرب إلا الاستمرار في هجمة السلام، لأنها ليست لمصلحة التطرف الإسرائيلي، وإلا الإصرار على مشروع إقامة الدولة الفلسطينية في حدود 1967، لأنها أيضاً ليست لمصلحة اليمين الإسرائيلي في التحليل النهائي!». وكما قال الرئيس الفلسطيني: «لا يوجد بديل آخر في المنطقة غير بديل السلام».

وتذكر...

قلت: نعم أذكر!

قاطعني بقوله: ماذا تذكر؟! أرجوك لا تقاطعني... ودعني أكمل ما أريد قوله!

قلت هازئاً: ومن يستطيع أن يمنع الأقوال هذه الأيام؟ ألا تسمع ضجيج الفضائيات والصحف؟!

قال شبه غاضب: دع عنك السخرية... فالموقف أخطر من العبث... تذكر.... ويذكر الكثيرون إن غولدا مائير، رئيسة وزراء إسرائيل حتى حرب أكتوبر 1973، كانت تقول: أين الفلسطينيون؟ إني لا أراهم!

وقد ذهبت غولدا... وبقي الفلسطينيون ملء مسمع الدنيا وبصرها، بوجودهم، وأضيف للأسف: وصراعاتهم. ولكن عليهم إثبات وجودهم، وإثبات أنهم جديرون بالحياة والدولة، ولو على شبر واحد من فلسطين، كما كان يقول «أبو عمار»... من كان يتصور أن المجموعة الأوروبية التي بلغ عددها 27 دولة تناقش، مجرد نقاش وإن يكن على اختلاف، مسألة الاعتراف بالدولة الفلسطينية وبكون القدس العربية الشرقية عاصمة لهذه الدولة؟

ومضى الدبلوماسي العربي المخضرم قائلاً بحماس ودون توقف، وأشفقت عليه من الاعتراض: على العرب المضي في هجمة السلام، وقد شعرت بالارتياح عندما سمعت وزير خارجية سورية يقول: «إن طريق السلام سالك على أساس المبادرة العربية». نعم... إنها مبادرة تاريخية أجمع عليها العرب فلا تتخلوا عنها؛ وعلى الفلسطينيين الإصرار على مشروع دولتهم التي يوشك العالم، المتعاطف أصلاً مع إسرائيل، على الاعتراف بقيامها. وإذا ما مهد الفلسطينيون، عملياً، لإعلانها من جانب واحد... فماذا تستطيع إسرائيل فعله؟ تعيد الاحتلال؟ احتلالها مستمر ولن تغير ردة فعلها من الأمر شيئاً، ولا تنسوا أن إسرائيل أخذت تفقد تعاطف المجتمع الدولي، الذي اعتمدت عليه في وجودها... فلا تعيدوه إليها! «الموقف التاريخي يحتم ذلك أعني التمسك بالسلام، والإصرار على قيام الدولة الفلسطينية، كفاكم، يا عرب، إضاعة للفرص التاريخية!».

«ولعل أخطر ما في خطة إعلان الدولة الفلسطينية من جانب واحد توقف الدعم الدولي الحيوي عن السلطة الفلسطينية، وعلى كل حال فالفلسطينيون يلوحون بإعلانها لكنهم لن يقدموا عليه في الوقت الحاضر».

«أما خطاب الممانعة، فإنه يئن تحت ثقل الواقع، بالشكوى من الظلم، والدعوة إلى المقاومة... ولكن أي مقاومة في ظل اختلال ميزان القوة لمصلحة إسرائيل؟ الحلقة المفقودة في خطاب الممانعة إنه يصمت عندما يصل إلى المواجهة الفعلية، وإلى البناء التاريخي، الطويل الأمد، للقوة اللازمة. القوة الحضارية بمعناها الشامل. لا قوة السلاح فحسب، لأن مشاريع النهضة العربية ركزت على التسلح ولوازمه، فلما انكسر السلاح، أمام سلاح أقوى، ضاع المشروع كله... ليتكم تعرفون معنى الآية الكريمة وأبعادها في قرآنكم: «وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة...».

«لقد ثبت أن اليمين الإسرائيلي الحاكم لا يريد السلام ويخشى منه، ويتمنى تخلي الفلسطينيين عن مشروع الدولة المستقلة حيث عاد بعضهم إلى الحديث عن الحل المستحيل الآخر الذي يئس منه الجميع منذ مدة: الدولة الواحدة بين اليهود و... العـرب! في هذه الدولة «الواحدة» لمن ستكون الغلبة والسيادة والسيطرة؟ هل يخالج أحداً شك في ذلك؟ وهل تتوهمون أنهم سيقبلون بها؟!».

... وصمت الرجل بعد أن سألني: ما رأيك؟ فانتهزت الفرصة أخيراً، وقلت له: «لك أن أنقل كلامك. ولكن ليس من حقك مطالبتي ومطالبة غيري بالاقتناع به!».

* مفكر من البحرين

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة

back to top