تمكنت السلطة الفلسطينية بمساعدة مصر من التحرر مؤقتاً من الضغوط الإسرائيلية والأميركية، للانتقال إلى المفاوضات المباشرة.
لكن الاستحقاق لن يكون بعيداً أبداً. فبعد عشرة أيام ستنتهي المهلة التي منحها العرب لمبعوث السلام الأميركي جورج ميتشل لتحقيق تقدم ما في المفاوضات غير المباشرة، وسينتهي تزامناً معها التجميد المؤقت للاستيطان الإسرائيلي.وبحسب المعطيات المتوافرة، فإن هذه الأيام العشرة لن تشهد أي معجزات، بخاصة أنه طوال الأشهر الأربعة من المفاوضات التقريبية، لم يتمكن المبعوث الأميركي من انتزاع تنازل إسرائيلي واحد.السلطة وخلفها العرب أمام خيارين أحلاهما مرّ، إما القبول بالتفاوض المباشر وإما إحالة الملف برمته إلى مجلس الأمن. الخيار الثاني هو الأكثر ضرراً، فإسرائيل غير معنية بأي قرارات دولية، وهي تهدد في حال تجرأ العرب وأقدموا على هذا الخيار، باللجوء بدورها إلى خطوات أحادية كالتخلي تماماً عن عملية السلام.لذلك السلطة موافقة ضمناً على الانتقال إلى مفاوضات مباشرة. وهي على يقين أنه لا يوجد فرق حقيقي بين التفاوض المباشر أو عبر وسيط. يبقى تأمين الغطاء العربي لهذه الخطوة.وبحسب التوازنات العربية السائدة، فإن المعادلة التي أمّنت غطاء للمفاوضات غير المباشرة دون وقف شامل وكامل للاستيطان، تستطيع أن تعيد الكرة مع المفاوضات المباشرة دون الحصول على أي مقابل إسرائيلي.ما حاول الفلسطينيون أخيراً ولا يزالون يحاولون فعله هو التوصل إلى جدول أعمال لهذه المفاوضات، ولكن حتى هذا الأمر ترفض حكومة بنيامين نتنياهو منحه لهم. وقد أصر الفلسطينيون على أن تبدأ المفاوضات من حيث انتهت مع حكومة ايهود أولمرت، وأن يقدم الإسرائيليون إيضاحات بشأن ملفي الأمن والحدود.والمقصود من وراء هذين المطلبين هو شيء واحد، معرفة إذا كانت حكومة نتنياهو تقبل بالاتفاق الذي تمّ التوصل اليه مع أولمرت على ضوء الورقة التي وضعها الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون.ما هو هذا الاتفاق؟ في الأمن، ينص الاتفاق على نشر قوات دولية أو أطلسية على حدود الدولة الفلسطينية منزوعة السلاح. وفي الحدود، ينص على تبادل الأراضي بما يمكن إسرائيل من الاحتفاظ بمستوطناتها الكبرى في الضفة الغربية، على ألا تزيد مساحة المستوطنات التي ستبقى على 2 في المئة من المساحة الإجمالية للضفة.ولم يتم التوصل إلى أي صيغ نهائية بشأن ملف القدس، وإن كانت القاعدة الأساسية هي أن تحتفظ إسرائيل بالأحياء اليهودية في الشطر الشرقي من المدينة وبحائط البراق (المبكى).كما لم يعالج ملف اللاجئين بالتفصيل المطلوب، وإن كانت القاعدة الأساسية هي أن "تحتفظ السلطة بحقها في استقبال من تشاء على أراضيها"، ولكن وفق إيقاع أن يعود البعض ويعوّض البعض، ويوطّن البعض في أماكن وجودهم مع الأخذ بعين الاعتبار حساسية بعض الدول المضيفة.أما حكومة نتنياهو فهي مشغولة بأمور أخرى غير حسم وضع الضفة، خصوصاً بعد تحييد قطاع غزة، منها إيران ودولة حماس المكرسة إلى إشعار آخر في غزة و"حزب الله" في جنوب لبنان.وهي أصلاً منقسمة على ذاتها بشأن "اتفاق أولمرت". وزير الدفاع ايهود باراك يؤيد الاتفاق السابق الذكر وقد كان أحد مهندسيه. وزير الخارجية الإسرائيلي افيغدور ليبرمان موافق عليه من حيث المبدأ مع اشتراطه ترحيل "عرب الـ1948" إلى الدولة الفلسطينية لتصبح إسرائيل دولة يهودية خالصة. ونتنياهو ملتزم بالخط التاريخي لحزب "ليكود" أي بتضييع الوقت وفرض وقائع جديدة على الأرض والتلاعب بالجميع بمَن فيهم واشنطن للحصول على مزيد من التنازلات الفلسطينية.والسؤال الذي يشغل بال السلطة هو إذا كانت حكومة نتنياهو لا تقبل بهذا الاتفاق الذي يمنح الفلسطينيين الحدّ الأدنى من حقوقهم فبماذا ستقبل؟ وهل تريد مواصلة الاحتلال أم تضييع الوقت لفرض اتفاق أكثر إجحافاً؟
دوليات
«السلطة» أمام خيارين: «المباشرة» أو مجلس الأمن
21-07-2010