منذ بداية العام تقريبا وقوى الأمن تطل علينا بشكل أسبوعي تقريباً، لتبين عبر وسائل الإعلام قدراتها الدفاعية وتشكيلاتها القيادية واستعداداتها للسيطرة على الأمور، وجاهزيتها للتعامل مع أي طارئ.

Ad

البيانات التي أعنيها مكتوبة ومصورة ومتلفزة ترسلها الأجهزة الإعلامية التابعة للقوات المسلحة الثلاث، الحرس الوطني والداخلية والجيش، والتي عادة ما تتعلق بتدريباتها الخاصة، أو الترقيات والتنقلات بين صفوفها، أو التمرينات المشتركة بين وحداتها، والتي غالبا ما ترتبط بفض شغب أو مظاهرات أو مواجهة عمليات خطف طائرات ومواجهات إرهابية محتملة، أما الجيش فيعلن من ناحيته مواقع مناوراته وتدريبات قواته العسكرية، وما إذا كان سيستخدم الذخيرة الحية أم لا، وجميع هذه البيانات متوافرة كتابة وصوراً على المواقع الإلكترونية التابعة للقوات المسلحة، وكذلك منشورة في الصحف اليومية ومتاحة على الإنترنت.

وكإعلامي، دائما أتساءل عن جدوى تسريب هذه المعلومات والبيانات ورجاحة نشرها على الملأ، خصوصاً أن المؤشرات تبين ارتفاع درجة التوتر إقليميا، وعليه، فإذا كانت هذه التدريبات احترازية، فهي مكشوفة ومعلنة، وإن كانت التنقلات للعلم فهي تكشف الضباط المسؤولين ورتبهم ومواقع عملهم، أما إذا المراد منها طمأنتنا بجاهزية قوانا الأمنية فهي حتما جاهزة، ولا جديد في ذلك، لأن هذا هو المطلوب منها، وفي الحالات الثلاث ليس من المجدي نشرها، أخذا بالاعتبار أن النشر يكون بترتيب وإيعاز من الأجهزة الأمنية نفسها.

ومن هذه الملاحظة، إلى أخرى ترتبط بها، فقد فاجأتنا الحكومة في ذروة الحديث عن الكوادر المالية التي لم تحسن التعامل معها، بإطلاق يد قوى الأمن وتكليفها مسؤولية التعاطي مع إضرابات واعتصامات المعترضين على الكوادر المالية، بما تحمل هذه الكلمة من دلالات سياسية وقانونية، عبر تأسيس مجلس الوزراء لجنة مشتركة، برئاسة وزارة الداخلية وعضوية وزارات الدفاع والمالية والشؤون والحرس الوطني وإدارة الفتوى والتشريع وديوان الخدمة المدنية، أي أن الحكومة بعد أن أساءت التقدير في التعامل مع ملف الكوادر، ستواجه المحتجين وتلاحقهم أمنيا، أي أن الوضع تعقد جدا، ففي حالتنا هذه، لا الحكومة أحكمت إقفال ملف الكوادر المالية، ولا المستفيدون حصلوا على ما يريدون، ولا المحتجون سلموا على أنفسهم، ولا المعترضون على كل هذا استوعبوا ماذا يجري ولماذا.

من هذه إلى أخيرة ذات صلة، هي رغبة وزارة الداخلية فرض رقابة على خدمة المحادثة الخاصة بأجهزة البلاك بيري وفرض رقابة على استخدام الإنترنت، بداعي عدم خضوع الخدمتين لرقابة الجهات الأمنية، والضغط على وزارة المواصلات (لأن الداخلية لا تستطيع ذلك بشكل مباشر)، لتضغط بدورها على مزودي الخدمة، وجميعها شركات قطاع خاص كويتية، بتمرير جميع المحادثات والمراسلات الإلكترونية عبر وزارة الداخلية لمراقبتها، في إجراء لا يحصل سوى في الدول القمعية ضاربة عرض الحائط بالمادة 39 من الدستور الصائنة لحرية المراسلة بريديا وبرقيا وهاتفيا، والكافلة لسريتها، والمانعة لمراقبة الرسائل أو إفشاء سريتها، إلا في الأحوال المبينة في القانون وبالإجراءات المنصوص عليها فيه، والتي تريد وزارة الداخلية أن تقفز عليها، وتحمّل وزارة المواصلات مسؤولية فعلتها، وهو أمر لا يمكن القبول به إطلاقا.

وزارة الداخلية أيضا تقوم حاليا بحملات مداهمة على المجمعات التجارية والمعاهد والكليات الدراسية للحد من ظاهرة «المغازل» بعد أن أعلنت عزمها التشدد في استخدام صلاحياتها، واللجوء إلى التشهير بالمستهترين والمتسكعين وسيئي السلوك، دون وجود نص قانوني يبيح لها ذلك، من خلال حلق شعورهم ونشر صورهم بالإعلام وأخذ تعهدات عليهم بعدم تكرار ذلك، ما يعني أن رجل الأمن تحول من رجل منوط به مهمة تطبيق القانون على المخالف دون تشدد أو تعسف، إلى مؤدب للناس ومصلح اجتماعي بقوة القانون، ووصي على أخلاقهم وسلوكياتهم، وهو الأمر الذي يجب أن تحقق فيه إدارة الرقابة والتفتيش التابعة للوزارة لأنه كما سابقه، أمر غير مقبول إطلاقا.