كنت قد اكتفيت بما كتبته الأسبوع الفارط- مع الاستئذان من كتاب المغرب لاستخدام هذه الكلمة التي يستخدمونها بكثرة في كتاباتهم، فقد وجدتها متماشية مع واقع المجلس الوطني «الفارط جداً»- أقول كنت قد اكتفيت بما كتبته حول ما آلت إليه أحوال المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب في عهد أمينه الحالي الأستاذ بدر الرفاعي، إلا أن شيئاً وحيداً، جعلني أعيد النظر.

Ad

كثيرة هي الرسائل والاتصالات المؤيدة التي وردتني إثر ذاك المقال، والشكر الجزيل لأصحابها، مع عتب رقيق للبعض منهم ممن أراهم أقرب مني بكثير لعالم الثقافة والفنون والآداب، وبالتالي فالقضية قضيتهم، وهم أهل الشأن، والجدير بهم أن يتحركوا، سواء فردياً أو جماعياً، لتغيير هذا الواقع المزري الذي تكشف لي مقدار استيائهم منه. على أي حال، لن أسترسل أكثر للحديث في هذه الجزئية، فلعل وراء الأكمة ما أجهله.

ما أعادني إلى الموضوع هو رسالة بعينها جاءتني من أخ أحترمه كثيراً، وأقدر أنشطته الثقافية والمجتمعية، حيث كتب يقول لي ما معناه، بأنه، وإن كان لا يدافع عن بدر الرفاعي، فإن مقالي كان بمنزلة النظر إلى النصف الفارغ من الكأس، أو «القلاص» كما كتبها في رسالته، فأجبته، وسأكررها هنا الآن، بأن يرشدني إلى ذلك النصف المليء من كأس الثقافة والفنون والآداب في عهد السيد بدر الرفاعي، والذي يقول إني تجاهلت النظر إليه!

يا صديقي... إن الكأس فارغة تماماً، وليس فيها إلا خطوط من الملح على الجدران! لكن وحتى تكون الأمور بيضاء مكشوفة تحت الشمس، سأوجه هذه الرسالة:

الأستاذ بدر الرفاعي، الأمين العام للمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، حفظه الله ورعاه. تحية طيبة، وبعد: ها أنا ذا وأمام الناس، ومن هذه الزاوية البسيطة المسالمة الحالمة، أعدك بأن أعتذر لك اعتذاراً مباشراً وصريحاً دون ذرة من تردد، إن أنت أجبتني بالبراهين عن تلك الإنجازات المبهرة التي يمكن أن نملأ بها نصف الكأس أو ربعها أو أقل من ذلك، كما يقول صديقي!

ما الأنشطة والمهرجانات والمطبوعات والإنجازات الجديدة التي جئتم بها، يا رعاكم الله، غير ما كان موجوداً في السابق في عهد من سبقوكم؟!

والله لقد بحثت عن أي شيء من هذا، فما وجدت، وأول مكان قصدته كان صفحة المجلس الرسمية على شبكة الإنترنت، فوجدتها جرداء قاحلة هزيلة، بل لا أملك إلا أن أقول صفحة منخنقة ومتردية ونطيحة، حين أقارنها بمثيلاتها من الصفحات الثقافية العربية، سواء صفحات المؤسسات المشابهة أو حتى تلك التي يقوم عليها الأفراد بجهود ذاتية!

موقع هزيل مترنح، لا يدل إلا على الهزال الذي بلغه الواقع الثقافي والفني والأدبي حين صار في عهدة الأستاذ بدر الرفاعي، والأنكى من ذلك أن جماعتنا لم يراعوا ما جاء في الأثر بأن «إذا بليتم فاستتروا»، بل جعلوا البلية عارية أمام العالم، فأبقوا هذا الموقع المزري يلوح على رؤوس الأشهاد، ليضحك من رداءته أهل المشرق والمغرب! أغلقوه يا سادة، أغلقوه... وابكوا على خطيئتكم!

على كل، لا داعي للإطالة، لذا فكما قال الأعرابي الحكيم: الأثر يدل على المسير والبعرة تدل على البعير... ومنتجات الثقافة والفنون والآداب أشياء ملموسة مرئية ومسموعة، فلا يستطيع أحد أن يكابر في حقيقة وجودها من عدمه، فهاتوا لنا براهينكم على الإنجازات المبهرة التي جرت في عهد الرفاعي، ذلك العهد الذي امتد وتطاول لثمانية أعوام عجاف، وسنعتذر من هنا ومن هذا المقام، بل سنتفاءل بعهده القادم إن تم له التجديد، لا قدر الله!