تحت مظلة دولة المؤسسات الدستورية، يصبح من حق أيِّ فرد أن يلجأ إلى القضاء إذا أصابه سبٌّ أو قذفٌ وفق نصوص القانون، ولا مكان للاستثناء حين يكون المتضرر موظفاً عاماً.   

Ad

لكن إذا كان هذا الموظف العام شخصية قيادية أو رمزاً سياسياً فهناك حدود وقيود يُمليها واقع الحريات الدستورية في الدولة، أوّلها حق النقد وحق إبداء الرأي في منهج وسياسة تلك الشخصية القيادية في إدارة مؤسسات الدولة، فلو لم يكُن للشيخ ناصر  المحمد صفة سمو الشيخ ناصر محمد الأحمد رئيس مجلس الوزراء، لما كان هناك مكان ولا سبب لانتقاده، وهنا لا يُنتقَد "شخص" الشيخ ناصر، إنما يكون محل الانتقاد "ممارسة" سموه في إدارة شؤون الدولة، وبهذا تختلف دولة المؤسسات الدستورية عن دولة الاستبداد، ونفرق بين ممارسة السلطة العامة والتعسُّف في استعمال السلطة، حين يتم في الحالة الأخيرة إغراق أصحاب الرأي بسيل من الدعاوى تحت مبرر الضرر من جراء السبِّ أو القذف أو خرق قانون أمن الدولة أو المطبوعات أو النشر.

واهمٌ من تصوَّر أن قضية و"قضايا" الزميل محمد الجاسم انتهت، وأن "قضيتنا" تم كسبها بسبب الإفراج المؤقت عن الزميل.   

قضيتنا، كما نكرر، عنوانها حرية الضمير وحرية نقد رموز المؤسسات العامة، مهما كانت قسوة وشدّة كلمات ممارسة حق النقد.

عنوان القضية في الأمس محمد الجاسم، واليوم تحمل عنوان خالد الفضالة، وغداً سيكون عنوانها أي فرد كتب أو تحدث منتقداً شخصية قيادية أوكل إليها قيادة مؤسسات الدولة.

نعرف أن لدينا نصوصاً تعارض أبسط المعايير الدستورية، ونعرف أن لدينا تراثاً عريضاً يكاد يقدِّس مؤسسة الحكم، وأن الخليفة هو ظلُّ الله في الأرض كما قال أحد خلفاء بني العباس، وأن مفهوم "الهيبة" يعني الجلال والرهبة وعدم جواز المساس  بمن هم في مؤسسة الحكم... ونعرف أن لدينا مجلس نواب "لا يهش ولا ينش"، وأعجَز من أن يتصدى لتعديل التشريعات الجائرة المعارضة للدستور، ونعرف أن الحكومة تحيا في شهر عسل ممتد مع برلمان رجع الصدى، لكن في الوقت ذاته لدينا أمل كبير في "القِلّة" من النواب وأصحاب الرأي الذين تحركوا في الأمس مع الجاسم، أن يشدّوا عزمهم الآن، ليس من أجل خالد الفضالة ولا غيره من القادمين في دولة الرأي الواحد والفكر الواحد، إنما من أجل دولة الحريات ودولة الدستور.