* يبدو لي أن هناك عملية شد وجذب بين فريقين من القيمين على معرض القاهرة الدولي للكتاب: الفريق الأول: يروم تحويله إلى "مولد" تبدو فيه وتحضر كل مظاهر وطقوس "الموالد" الشعبية التي قد تطغى على فعاليات المعرض وأنشطته، وتعيقها وتجعلها في المرتبة الثانية، بينما يحرص الفريق الآخر: على أن يكون فضاء أرض المعارض في مدينة نصر، مكرسا كله للاحتفاء بخير جليس؛ بصيغة حضارية تليق به وبمريديه.

Ad

ولو أمعنت النظر وبحلقت مليا في كلمات النقد التي صاغها النقاد والصحافيون لوجدت أن جلها يتمحور حول إقحام مظاهر "المولد" في ثنايا المعرض، أو إبعادها والنأي بها عنه، ولعلنا نتذكر ركام المقالات التي دبجت العام الماضي بشأن غياب المقهى الشعبي والداعية إلى عودته لدواع مزاجية لا تخفى على القارئ؛ الذي يروق له احتضان كتابه الأثير إلى قلبه وهو متربع في المقهى يكرع "السحلب والقرفة والشاي بالزنجبيل" وغيرها، ويمج مبسم "الشيشة" متأملا الدخان الذي ينفثه من مناخيره بلذة عارمة لا يخبرها إلا الغاوون!

* والعبد لله شخصيا لا يجد ضيرا في وجود المظاهر الاحتفالية الفلكلورية المتناغمة مع أجواء الاحتفاء بخير جلس، والمحرضة على قراءته واقتنائه وانتشاره، ذلك أن مصر بطبيعتها تنحو صوب الاحتفالية في السراء والضراء، والأفراح والأتراح شريطة ألا تزيد جرعة الاحتفالية عن الحد الذي يحيل المعرض إلى مولد وصاحبه غائب. وهو في هذا السياق حضرة خير جليس بداهة! كأن يتحول المعرض إلى فضاء للفرحة والفسحة للأب بمعية عياله وأمهم، وبمعيتهم الشغالة تحمل زوادة الطعام والتسالي والمكسرات وغير ذلك مما يحويه جراب الحاوي لحاجات الأسرة!

وقد قرأت تصريحا لوزير الثقافة المصري يفيد فيه بأن إيرادات المعرض لا تغطي تكاليف إقامته، ومع أني لا أفقه شيئا في الاستثمار؛ إلا أن وجود بعض الخدمات الغائبة عن المعرض كفيل بتوفير الإيرادات السخية لميزانية المعرض القادرة على تغطية مصاريفه، وربما تزيد على ذلك! كأن يكون هناك مقاه وكافتيريات عدة تتوزع على مساحة المعرض الشاسعة، وأن تتوافر عربات حمل الكتب التي تستخدم عادة في المطارات والسوبر ماركت وغيرهما، وأحسب أن أغلبية الزوار بحاجة إليها، ولن يضيرهم صرف جنيهات قليلة لأجلها، زد على ذلك إن شئت، المزيد من الاقتراحات المجانية؛ الساعية إلى زيادة إيرادات المعرض؛ ووجود السقائين الذين يسقون الناس الماء القراح؛ فضلا عن المشروبات الشعبية اللذيذة مثل "العرقسوس والكركديه" وغيرهما، ولا بأس من وجود "كشري أبو طارق" وفول الجحش وشوربة عدس "فلفلة" والشاي الأخضر المنعنع للفيشاوي، وغير ذلك من خدمات مزاجية قد تحرض الزوار على المكوث طويلا في جنبات المعرض.

أعرف سلفا أن بعض الإخوة النقاد ومن لف لفهم لن تروق لهم اقتراحات العبد لله السالفة الذكر، وسيتحفظوا عليها بدعوى النأي بالمعرض عن التشبه بالمولد، والحق أن تماهي المعرض مع المولد هو ما يميزه عما عداه من معارض الكتاب العربية لاسيما أن الكتاب يستأهل إقامة "مولد" له كل سنة في قاهرة المعز أم الدنيا الاحتفالية.

وللتدليل على أن روح المولد تكتنف شخصية المعرض وهويته: ملاحظة أن المقهى الشعبي يحتشد بالزوار أكثر من رواد المقهى الثقافي، الذي يشكو قلة الحضور دوما، من هنا تجد أن المقهى الشعبي هو الحري بالاحتفاء لأن المبدعين ومريديهم حاضرون فيه أزيد من وجودهم في المقهى الثقافي، ربما لأن الأول يتيح للجميع التواصل بعد طول غياب.

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة