البعض من الأميركيين يريد أن يشعر ثانية بأنه استثنائي. ولكن من الأفضل عدم التحدث حول ذلك.

Ad

يرغب هذا العمود, باحترام, في أن يقترح حظراً مؤقتاً على الإشارة في الجدل السياسي الى العظمة الأميركية والاستثنائية الأميركية معاً. وهذا ليس لأن "لكسنغتون" ينكر أن أميركا عظيمة واستثنائية، إنها حقاً كذلك، لكن السبب هو أن هذين التعبيرين قد أفرغا من معناهما الحقيقي, وتحولا الى شعارات تستخدم من قبل اليمين, في صورة هراوة لضرب الخصوم السياسيين. ويجب وضعهما جانباً على الأقل حتى تخرج أميركا من أزمتها الاقتصادية الراهنة, وربما لفترة أطول.

إن تنفيذ هذا الحظر لن يكون سهلاً، لأن العظمة جزء من امتياز أميركا ومعجمها. ومؤسسو أميركا في القرن الثامن عشر لم يكن لديهم شك في أنهم يشرعون في تجربة جريئة مستلهمة من أعلى مثل حركة التنوير. وفي القرن التاسع عشر حدثت الهجرات الكبيرة والاندفاع نحو الغرب, والحرب الأهلية وانتهاء العبودية. وحفل القرن العشرين بصراعات جبارة وانتصارات مشهودة ضد الفاشية والشيوعية.

وحتى يومنا هذا, وعلى الرغم من التأثر الشديد بالركود, والديون المرهقة, والتورط في الحرب, يظل الأميركي يشعر بالفخر إزاء بلده, وهو على حق في ذلك. ومازالت أميركا تتفوق على منافسيها في المجالات العلمية, والقوة العسكرية, وحيوية الديمقراطية والكثير غير ذلك. وتظهر الاستطلاعات أن الأميركيين بين أكثر شعوب العالم وطنية, وخلال الصيف الحالي قال 83 في المئة منهم في أحد الاستطلاعات إنهم فخورون "للغاية" أو "جداً" بجنسيتهم.

غير أن الافتخار بالوطن يختلف عن الإسهاب حول عظمته. وكان "غلين بك" وهو مذيع محافظ أنهى مقابلة حديثة على النحو التالي: هل تظن أن هذا بلد رائع؟ وطن الاستثنائية الأميركية؟

مثل هذا الحديث يبعث على الملل. والسيد "بك" لا يدعو الى الولاء عبر الموافقة على نظرته المتحاملة على الحكومة الكبيرة. ويكفي أن تفكر بمدى الارتياح إذا دخل حظر "لكسنغتون" حيز التنفيذ أن تناقش دور الحكومة على أساس جدارتها فقط.

 وسوف يسهم الحظر أيضاً في تحرير السياسيين الأميركيين للتحدث مثل أشخاص عاديين، وفي الوقت الراهن, فإن عدم تنميق خطاباتهم بتعابير العظمة يمكن أن يعرضهم لمتاعب جدية.

وعندما زار باراك أوباما فرنسا في السنة الماضية، سأله أحد الصحافيين البريطانيين ما إذا كان يؤمن بالاستثنائية الأميركية، فأجاب بأنه يؤمن بذلك "كما أظن أن البريطانيين يؤمنون بالاستثنائية البريطانية واليونانيين بالاستثنائية اليونانية".

قد تظن ان ذلك كان رداً لبقاً مقبولاً، لكن على الرغم من ذلك حوّله بعض المحافظين إلى نص غير بارع ويفتقر الى الخبرة, رد يثبت عدم أهلية أوباما للمنصب الكبير الذي يشغله.

وبعد مرور أكثر من سنة على الحدث، لايزال المحافظون يثيرون ضجة حوله، وفي الأسبوع الماضي نشر تشارلس كروثهامر المعلق في صحيفة واشنطن بوست آخر مقالة له في طائفة واسعة من مقالاته حول "الرد الغادر"، وبهذه الكلمات أظهر السيد أوباما لونه الحقيقي كرجل لا يؤمن بصدق في عظمة أميركا وهو يتقبل سراً فكرة انحطاطها النهائي.

ما الذي يجري؟ إن أبسط تفسير لهذه العاصفة يتمثل في أن نقاد السيد اوباما سينتهزون ارتكابه أي غلطة ملحوظة، لكن ربما أن اولئك النقاد في حاجة الى سماع تأكيدات مستمرة عن عظمة أميركا بسبب الشكوك المزروعة في قلوبهم من جانب    الكادحين الحاليين في البلاد.

هذه لن تكون المرة الأولى التي يشعر فيها المثقفون الأميركيون بالقلق نتيجة الإحساس بزوال العظمة، ولم تتصادف المرات السابقة دائماً مع وجود صعوبات داخلية أو حروب خارجية قاسية، إن أوقات اليسر والوفرة قد تجلب الحنين ذاته، وفي  الخمسينيات من القرن الماضي, ذلك العصر الذهبي, كتب آرثر شليسنجر جونيور عن "انهيار العظمة"، وكان يرثي ويتفجع على غياب الرجال العظام وانحدار البلاد نحو امتثال عليل.

ولهذا السبب، فإن الحديث عن العظمة ليس فقط حاسماً ومشوشاً لكنه في بعض الأحيان خطير، وأحد الأدوية لهذا الضجر يتمثل في الحرب، وفي التاريخ الحديث للسياسة الخارجية الأميركية "عارض إيكاروس" أوجد بيتر بينارت مقارنة بين إدارة كينيدي وبين إدارة  جورج دبليو بوش، كان كينيدي متحمساً للمجد وقد وفرت الحرب الباردة الميدان الملائم، وفي نظر البعض من المحافظين الأميركيين وفرت الحرب ضد "القاعدة" فرصة مماثلة للرد على نداء العظمة، وفي الحالتين, يجادل السيد بينارت, أفضت الرغبة في القيام بأعمال عظيمة وليس ببساطة عمل ما هو ضروري الى سلسلة من المبالغات وخيبة الأمل.

العودة إلى القمر

عندما تفقد الحرب قدرتها على إثارة البهجة في النفوس, يصبح من يسعى وراء العظمة الوطنية في حاجة الى شيء آخر، وعودة الى السيد كروثهامر, متوعداً هذه المرة ضد قرار السيد أوباما المنطقي المتعلق بخفض الخطة التي ورثها عن السيد بوش بشأن عودة أميركا الى القمر بحلول عام 2020, ثم الى المريخ. هل تفضي تلك العودة الى القمر والتوجه نحو المريخ الى إعادة ربط الأميركيين بعظمتهم؟ قد يظن العديد من الناس أن تلك الفكرة جنونية  في الظروف الراهنة، لكن ذلك بالطبع يمثل المشكلة برمتها يتم تحويل العظمة, دون تحديد الى هدف في حد ذاته.

وفي عام 1997 كتب ديفيد بروكس, الذي كان يكتب يومها في "ذي ويكلي ستاندرد" وهو يكتب اليوم في صحيفة "نيويورك تايمز", كتب مقالة بعنوان "عودة الى العظمة الوطنية" يشتكي فيها من أن أميركا قد تخلت عن طموحاتها العامة العليا وانشغلت بما وصفه بـ"الهموم الأضيق للحياة الخاصة". قد لايهم تحديد الهدف الذي وضعته الحكومة لنفسها, يقول السيد بروكس, "مادامت تقوم بعمل شيء ملموس بحيوية وفعالية". وإذا كانت تلك نصيحة جيدة فقد أصبحت نصيحة عفنة الآن، والأميركيون ليسوا غير سعداء لأنهم يفتقرون الى حكومة تتمتع بحيوية, ويظن العديد منهم ان إدارة السيد اوباما على درجة كبيرة من الحيوية، كما أن آخر شيء تحتاج البلاد اليه هو إبعادها عن مشاكلها العملية من خلال السعي وراء عظمة وهمية، وإذا وضعنا تلك اللغة جانباً، يقول لكسنغتون, فإن أميركا هي في حقيقة الأمر دولة عظيمة واستثنائية, غير ان الحديث لا يجعلها كذلك.