كتبنا ذات مرة أنه من غير المستغرب أن يبرز على السطح في هذه الفترة الحرجة من تاريخ المنطقة دعوات ممجوجة ينادي أصحابها لمزيد من التهييج والصراع والتناحر الطائفي، فالصراع الطائفي عبارة عن سلاح سياسي متدثر بغطاء ديني تستخدمه الأطراف السياسية المتنازعة لحسم صراعاتها، ويبين لنا التاريخ السياسي الإسلامي خصوصا أن الصراع المذهبي هو في الأصل صراع سياسي للتنازع على الحكم، ولكنه غُلِّف برداء ديني، واستمر كذلك حتى هذه اللحظة.

Ad

ولو اطلعنا على التاريخ الإنساني بموضوعية، فسنرى أن التناحر المذهبي يكون عادة على أشده أثناء ارتفاع حدة الصراعات السياسية ووعورة المنعطفات التاريخية، لأن القوى المتصارعة كافة تحاول أن تستخدم كل ما تستطيع استخدامه، بما في ذلك الدين، لتغليب وجهة نظرها، وكما هو معروف، فإن العامل الديني يعتبر عاملا مؤثرا جدا في توجيه سلوك البشر والتحكم به.

ولعلنا نشاهد الآن ما سبق أن توقعناه، فها هي دعوات التأجيج الطائفي الممجوجة تتعالى من قبل بعض القوى المتطرفة ومن يساندها من قوى سياسية ذات مصلحة مستغلة في ذلك بعض الظروف الإقليمية غير المستقرة التي «تشجع» التناحر الطائفي والفئوي، وكذلك بعض الظروف المحلية الموضوعية التي تراكمت عبر السنين نتيجة سياسات حكومية غير رشيدة. وكما هو معروف فإن التأجيج الطائفي، كما هو التأجيج الفئوي، ما هو إلا سلاح تستخدمه أطراف سياسية محلية وإقليمية ودولية لأهداف «دنيوية» تتعلق بمصالحها الاقتصادية، ولكنه سلاح دمار شامل سيكتوي بناره الجميع بمن فيهم من يعتقد أنه المستفيد من ذلك على المدى الآني لاسيما أن المنطقة ملتهبة طائفيا، والشواهد أمامنا كثيرة خصوصا في منطقتنا العربية من لبنان إلى اليمن مرورا بالعراق.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن بعض القوى المتنفذة تستخدم الصراع الفئوي والطائفي، في أحيان كثيرة، كوسيلة للتغطية على ما تريد أن تقوم به بعد أن تشغل الناس في أمور ثانوية تلهيهم عن متابعة الأمور الضرورية والمهمة المتعلقة بشؤون حياتهم. فهل يعقل مثلا أن ينشغل بعض أعضاء مجلس الأمة ويشغلون الناس معهم في عملية انقسام طائفي تصل إلى حد شتم بعضهم بعضا حول قضية إجرائية تحكمها قوانين ولوائح مدنية؟ أليس من الأجدى والأنفع، للناس وللوطن، أن يكف الأعضاء عن التدخل في الأعمال التنفيذية للحكومة ويقومون بدلا من ذلك بدورهم التشريعي والرقابي فيطالبون الحكومة بتقديم خطة خمسية ثم سنوية تفصيلية ذات إطار زمني محدد تبرر صرف مبلغ وقدره 37 مليار دينار، أي أكثر من مئة وعشرين مليار دولار من الميزانية العامة للدولة خلال السنوات الأربع القادمة، ولا يكتفون فقط بالإطار العام للخطة الذي قدمته الحكومة؟ ثم، بالمناسبة، لماذا تتضارب قرارات الحكومة في هذا الخصوص وتتسم بالضبابية وعدم الوضوح مع أن القوانين واضحة؟ وهل سيكون بمقدور الحكومة أن تدير المشاريع التنموية الضخمة التي تبشر بها بعد إقرار «إطار» خطة التنمية (وليس الخطة) في الوقت الذي تعجز فيه عن اتخاذ قرار إجرائي بسيط يتعلق بدخول أو خروج شخص ما؟ لقد سئمنا تضييع الوقت والجهد في أمور ثانوية لكنها خطيرة، وقد آن الأوان للانتباه إلى أن اللعب على وتر الـتأجيج الطائفي من أجل تحقيق مكاسب آنية يشبه عملية اللعب في النار التي متى ما تأججت فإنها ستأكل الأخضر واليابس.

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة