البصامون... الحكوميون... الخونة... وكثير من المصطلحات المشابهة، كانت هي «علامات» المرحلة السابقة التي شاعت في الوسائل الإعلامية المختلفة، وبالأخص في المواقع والمنتديات والصحف الإلكترونية، حيث كانت تستخدم وبلا هوادة ضد كل من يتخذ موقفاً لا يتوافق مع موقف «التكتل الشعبي»... فإن كان «التكتل الشعبي» يميناً، كان «الشعبي» وأتباعه يصمون أهل الشمال مباشرة بأنهم خونة قد باعوا أنفسهم للحكومة، وإن كان التكتل شمالاً، كان أهل اليمين هم الخونة البصامون.

Ad

لم يكن مهماً البتة عند مَن سهُل عليهم استخدام هذه العبارات ضد مخالفي «الشعبي»، تفاصيل القضية المطروحة أو أبعادها، ولم يكن في واردهم الاستماع لوجهة النظر الأخرى على الإطلاق، لأن التكتل قد اتخذ موقفه وقال كلمته، وقضي الأمر!

لكن بالأمس، وفي قضية من أخطر وأهم القضايا، بل لعلها الأخطر قاطبة من كل ما طرح أخيراً، ألا وهي قضية الخصخصة، فاجأ النائب أحمد السعدون، قائد التكتل الشعبي ورمزه الأكبر، الناس بتصويته مع الخصخصة، في حين وقف بقية أعضاء التكتل ضده، فضاعت «طاسة» جمهور المشجعين، وما عادوا يدرون «مين اللي مين، وفين اللي فين»، وأسقط في يدهم حيث ما عادوا يستطيعون أن يخوِّنوا الفريق الآخر ويبصّمونه ويفسّقونه ويبدعونه، كعادتهم دوماً، دون تردد ودون أن يرف لهم جفن أو يرتد إليهم طرف عين، فمولاهم وزعيمهم في ذاك الفريق، ولا يفهمون ما الحكاية، بل إن كثيرا منهم لم يتعود طوال السنين الماضية أن يكلف خاطره وأن يتعب عقله ليفهم أصلاً، وكان مكتفياً بالسير خلف... القافلة!

لست أكتب هذا المقال من باب التشفي أو السخرية، فلست في مزاج لمثل هذا العبث الذي قد يستمتع به غيري، ولكني أردت أن أضربه مثالاً، لأصل من خلاله إلى القول إن «التكتل الشعبي»، مهما قال وفعل، يجب ألا يخرج من حقيقة كونه مجرد تجمع برلماني يقوم على جهود وعقول أفراد من البشر الخطائين، وكل ابن آدم خطّاء، ولطالما ورد منهم الخطأ والزلل والضعف، وبالتالي فإن هذا التقديس الذي أحيطوا به من قبل البعض، واستمتعوا وتمتعوا به طوال الفترة الماضية، ما هو إلا خطأ فادح، وسحر سرعان ما سينقلب على ساحره، بل لعله قد انقلب.

وإلا هل يقبل من كتلة سياسية، منسجمة مع نفسها، وذات قيمة فكرية حقيقية، أوصلها البعض إلى عنان السماء، وجعل منها تلك الجماعة التي لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها، أن يختلف أعضاؤها في قضية خطيرة وحيوية ومهمة لحاضر ومستقبل الكويت، كقضية خصخصة القطاع النفطي؟!

هل سأسمع أحداً ما يقول إن هذا أمر وارد لأن لكل عضو في التكتل رأيه الخاص الذي من حقه أن يعتنقه؟

أرجو ألا أسمع هذا، لأن معناه أن كل مواقف التكتل الشعبي «الموحدة» السابقة ما كانت إلا توافقاً لآراء شخصية خاصة كان من المحتمل أن تختلف كما اختلفت وتناثرت اليوم، ولم تكن رأياً جمعياً لجماعة فكرت وخططت فوصلت إلى خلاصة الرأي والحكمة، بل إن الأخطر من هذا هو أن ما حصل معناه أن كل الاتهامات بالتخوين التي كان يطلقها الشعبي وأصحابه على مخالفيه ما كانت إلا فجوراً في الخصومة، ولا حول ولا قوة إلا بالله، ما كان ينبغي أن يحدث!