خطة التنمية والفرص الوظيفية
إن قيمة المبالغ التي تصرف على المشاريع الإنشائية الكبرى لا تعتبر معيارا دقيقا للحكم على نجاح تنفيذ خطط التنمية، بل إن أحد المعايير الرئيسة لنجاح تنفيذ الخطة الإنمائية هو مدى توافر فرص وظيفية جديدة تساهم في الحد من مشكلة البطالة.
ثلاثة مليارات دينار، أي بحدود عشرة مليارات دولار أميركي من أصل 37 مليار دينار مرصودة "لخطة التنمية"، هي قيمة المبالغ التي أعلنت الحكومة أنها قد صرفت حتى الآن، أي خلال أقل من أربعة أشهر فقط منذ بداية السنة المالية الجديدة، على المشاريع الإنشائية التي طرحت ووقعت عقودها مع القطاع الخاص، وهو ما اعتبرته الحكومة إنجازا يحسب لها على اعتبار أنها ملتزمة بتنفيذ الخطة الإنمائية "الرباعية" التي أقرها المجلس أخيرا، بيد أن الحكومة لم تبين لنا كم فرصة وظيفية جديدة استطاعت هذه المليارات الثلاثة أن توفرها للقوى العاملة الوطنية، إذ إن قيمة المبالغ التي تصرف على المشاريع الإنشائية الكبرى لا تعتبر معيارا دقيقا للحكم على نجاح تنفيذ خطط التنمية، بل إن أحد المعايير الرئيسة لنجاح تنفيذ الخطة الإنمائية هو مدى توافر فرص وظيفية جديدة تساهم في الحد من مشكلة البطالة التي من المرجح جدا أن تتزايد معدلاتها بشكل ملحوظ في السنوات القليلة القادمة!إنه من السهولة بمكان توقيع العقود الإنشائية مع الشركات العالمية إما مباشرة، وإما من خلال وكلائها الحصريين المحليين، لكن الصعوبة تكمن في مدى إمكانية إلزام الشركات العالمية أو وكلائها المحليين بتوفير فرص وظيفية جديدة، وهو ما يبدو أنه غائب أو على الأقل غير واضح في المشاريع الكبرى التي وقعتها الحكومة حتى الآن.
من ناحية أخرى فإننا عندما نتحدث عن ضرورة توفير فرص وظيفية جديدة للعمالة الوطنية في المشاريع الإنشائية الكبرى فإننا نشير أيضا إلى ما يترتب على ذلك من أثر بالغ على التركيبة السكانية المختلة أصلا، والتي حتما ستتأثر سلبا نتيجة لاستقدام عمالة أجنبية، كما أننا نشير من زاوية أخرى أيضا إلى المتغيرات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية الكثيرة التي ستترتب على استقدام المزيد من العمالة الأجنبية. لذا فإن تنفيذ خطط التنمية المستدامة لا يتوقف البتة على عدد العقود الإنشائية التي توقعها الحكومة، ولا على المبالغ الضخمة التي تصرف على المشاريع الإنشائية الكبرى، بل إن مقياس التنفيذ الصحيح لخطط تنموية حقيقية هو مقدار القيمة المضافة التي توفرها عملية التنفيذ لمصلحة تنمية القوى البشرية الوطنية، بالإضافة إلى حجم التأثيرات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والبيئية الإيجابية التي تترتب عليها.خلاصة القول: إنه ما لم توفر "خطة التنمية" فرصا وظيفية جديدة للعمالة الوطنية، تساهم في حل مشكلة البطالة المتفاقمة من ناحية، وتساعد على إصلاح الخلل في التركيبة السكانية من الناحية الأخرى، وهو ما لم تتضح معالمه حتى الآن، فإن أي حديث حكومي عن خطة تنموية حقيقية ستنقل المجتمع الكويتي نقلة نوعية، لا يعدو عن كونه حديثا نظريا رغم مليارات الدنانير التي ستصرف على المشاريع الإنشائية التي ستذهب مباشرة إلى جيوب وكلاء الشركات العالمية، وبعض أعوانهم ومساعديهم من أطراف البيروقراطية الحكومية.