الأغلبية الصامتة: عندما نعطي خدنا الأيسر إلى كوبا
إننا نتفهم حدوث بعض التقارب البارد مع من لا يستحق، ولكن كيف نهضم زيارة كبار مسؤولينا إلى نظام «هافانا» الذي لم يتغير في منابع قراره السياسي في شيء يذكر؟ وكيف نقبل منحهم قرضا يروي ظمأ ثلث شعبهم وحكومتهم رفضت القرار الحاسم في تحرير الكويت؟ التاريخ بطبيعته جامد من حيث أحداثه، أما من ناحية آثاره فقد تمتد إلى قرون وقرون تبعا لحجم الحدث، فذكرى الاحتلال العسكري مثلا لا تسقط بالتقادم، في حين أن الخلافات الحدودية تذوب فور حلها، أما السياسة فهي كلاعبة الجمباز تركض، وتقفز تتلوى، وتتمدد وتنكمش، وجميع شعوب الأرض تحرص على إبعاد لاعبة الجمباز عن الرقص فوق أوراق التاريخ لأنها مقدسة ولا تقبل التحريف أو التهوين.
كل الدول والشعوب لا تنسى انتصاراتها وانتكاساتها وما تراه حقا مسلوبا لا بد من استرجاعه يوما ما، فالأميركيون مازالوا يتذكرون غزوة «بيرل هاربر» بعد بعد 65 سنة، وفرنسا لم تتوقف عن احتفالها الرسمي بذكرى نزول قوات التحالف على شواطئ النورماندي لتحريرها من الاحتلال النازي، والصهاينة إلى اليوم ينفخون في نار المحرقة ويرهبون كل من ينكرها، والأرمن مازالوا يطالبون الأتراك بالاعتذار عن المذابح التي ارتكبوها بحقهم بداية القرن الماضي، والمغرب مازال متمسكا بأحقيته في استرداد «سبتة» و»مليلة» المحتلتين من قبل إسبانيا، وسورية لم تنس جولانها المحتل، ولبنان لم يشبع من «شبعا»، والشعوب الأصلية في دول أميركا اللاتينية لم تهدأ لما حل بها من قتل وتهجير وسخرة على يد الإسبانيين والبرتغاليين إلا بعد أن إعلان الفاتيكان الاعتذار كونه المحرض الأساسي لكل ما وقع بهدف نشر المسيحية في العالم الجديد.أما نحن في الكويت فحقنا في استذكار تاريخنا مصادر داخليا وخارجيا، لأن ما سيأتي في الأسطر التالية متهم من قبل كتّاب الحكومة ومرافقيها في الحل والترحال بالغرق العاطفي والقصور في فهم أبعاد السياسة الخارجية الكويتية لزرقاء اليمامة!! كما أن مناهجنا الدراسية لم تحرص على تغذية ذاكرة الأجيال الجديدة بما حصل في 2 أغسطس، وكأن الكارثة حلت في بلد آخر، أما خارجيا فأغلب الدول العربية تتململ من ذكرى الغزو وبعضها يحملنا مسؤولية جلب القوات الأجنبية إلى منطقة الخليج وكل ما يحصل في العراق، وكأن الكويت هي من احتل العراق وليس العكس، بصراحة أنا لا ألومهم لأن البعض من أبناء وطني يردد مثل هذا الإفك.ليست هذه المرة ولن تكون الأخيرة التي نمد فيها يدنا إلى من جاهر بعداوتنا وآخرهم كوبا، والسؤال: ما حاجتنا إلى أن ندير خدنا لدولة ناصبتنا العداء مثل كوبا عندما كانت عضوا غير دائم في مجلس الأمن؟ هل صدر منها ما يعكس تحولا في مواقفها عن الفترة المظلمة السابقة؟ لا أظن. إننا نتفهم حدوث بعض التقارب البارد مع من لا يستحق، ولكن كيف نهضم زيارة كبار مسؤولينا إلى نظام «هافانا» الذي لم يتغير في منابع قراره السياسي في شيء يذكر؟ وكيف نقبل منحهم قرضا يروي ظمأ ثلث شعبهم وحكومتهم رفضت القرار الحاسم في تحرير الكويت رقم (678) الذي أعطى الإذن لدول التحالف باستخدام القوة العسكرية؟ وبلغة المصالح الدولية ما وزن كوبا الاقتصادي أو السياسي حتى نعين فيها سفيرا مقيما؟لدي سؤال أخير: بأي وسيلة سيفهم الآخرون، في أي قضية مستقبلا، أن الوقوف ضدنا لن يعني تأثر علاقاتهم معنا لأننا نرأس منظمة طيبون بلا حدود الدولية؟... «حسافة» ضيعنا ورقة السياسة وسنضيع قريبا ورقة التاريخ.الفقرة الأخيرة: لن أستغرب أن يكون الهدف الأصلي من زيارة كوبا منها هو شراء التبغ من بلد المنبع.