عادة ما تبادر الحكومات إلى تلمس المشاكل العامة وإيجاد حلول شاملة لها قبل وقوعها، وهذا هو الدور الأساسي للحكومات لأنها المعنية قبل غيرها بتوفير سبل الوقاية من المشاكل العامة وإيجاد حلول جذرية لها وقت وقوعها وتفاقمها. لكن وعلى العكس من ذلك تماماً، فإن حكومتنا، مع كل أسف، تدير ظهرها للمشاكل العامة وكأنها لا تعنيها، حتى إذا ما انفجرت أمامها إحدى هذه المشكلات العامة نجدها مرتبكة ومترددة وتستغرق كل ما لديها من جهد ووقت في البحث عن حلول ترقيعية مؤقتة كرد فعل على وقوع المشكلة، وتتجاهل في الوقت نفسه البحث عن المسببات الرئيسة لهذه المشكلة. لذلك لا عجب إن تكررت لدينا المشاكل عينها لسنوات طويلة أو انفجر بعضها بشكل حاد قد يصل إلى حد الكارثة، مثلما حصل في حريق الجهراء أو محطة الصرف الصحي في منطقة مشرف.
ومع كل أسف، فإن الموقف المتردد غير الواضح أو الصمت المريب تجاه القضايا والمشاكل العامة أصبح سمة لازمة للحكومة في السنوات الأخيرة... خذ على سبيل المثال وليس الحصر، موقفها من قضايا قروض المواطنين الاستهلاكية والمقسّطة قبل التوجيه السامي لصاحب السمو أمير البلاد بإنشاء صندوق المعسرين، و"البدون"، والعمالة الهامشية السائبة، والمشكلة الرياضية، وهيئة تنظيم سوق المال، والتلوث البيئي، والبطالة واستنزاف المال العام، والفساد ورداءة الخدمات العامة كالصحة والتعليم والإسكان، ومشكلة العلاج في الخارج، أو موقفها السلبي من خطابات الكراهية والعنصرية والفتنة الفئوية التي توَّجها جويهل وأمثاله، ففي هذه القضايا كلها لا نجد هنالك سياسة حكومية واضحة المعالم معلنة وشفافة مبنية على دراسات علمية تحدد المشكلة بدقة وتضع بدائل للخروج منها. لذلك، فإن وصول إحدى هذه المشاكل أو بعضها إلى نقطة الانفجار أمر وارد في أي لحظة.وفي ظننا أن أخطر المشاكل العامة التي نواجهها على الإطلاق والتي من الممكن أن تنفجر في أي لحظة إلى حد يصعب السيطرة عليه، هي مشكلة الفتنة الطائفية لاسيما أننا نعيش في وسط محيط إقليمي متورم وملتهب طائفياً، وكما يقال فإن "أعظم النار من مستصغر الشرر".لذلك، فإنه من المفترض أن تتخلى الحكومة عن سياستها الحالية لمعالجة المشكلة الطائفية التي ترتكز، في أفضل بدائلها، على معالجة ظاهر المسألة الطائفية مع إهمال جوهرها، حيث ثبت بالدليل العملي عدم نجاحها مرة تلو الأخرى، وآخر دليل على ذلك هو ما شاهدناه وقرأناه خلال الأسابيع القليلة الماضية من استفزازات متبادلة بين الأطراف المذهبية المتعصبة، والتي لا يخلو بعضها من استعراض للقوة. وفي الوقت عينه، فإنه يتعين على الحكومة أن تقوم، على وجه السرعة، بإعلان سياسة عامة جديدة تتضمن حلولاً جذرية للمسألة الطائفية، مستندة في ذلك إلى الثوابت الدستورية التي تشكل الضمان الوحيد لمعالجة الصراعات الطائفية.
مقالات
فتنة طائفية وصمت حكومي
06-01-2010