خريطة طرح الثقة في وزير الإعلام يجب أن تخرس بعض الأفواه والأقلام عن التبجح بالمزايدات السياسية والفلسفة الزائدة دون طعم أو لون أو رائحة، وبالمقابل يفترض أن نقرأ رسالة التصويت بعناية وبصيرة سياسيه في إطار تشخيص الحالة العامة في الدولة بموضوعية ومسؤولية.

Ad

فمعادلة التصويت المتقاربة جداً بين مؤيدي طرح الثقة في الوزير والمعارضين لذلك شملت في طرفيها نواباً من الدوائر الانتخابية كافة ومن جميع المشارب والتركيبات السياسية والاجتماعية.

فبينما كان من بين مؤيدي الوزير الحضري والقبلي والشيعي والسُنّي، كان أيضاً من نفس المجاميع مَن حجب ثقته عن الوزير، والأكثر من ذلك أن التيار الليبرالي الوطني قد اختلف فيما بينه وتباينت مواقف نوابه، وكذلك التيار الإسلامي، وحتى نواب القبيلة الواحدة إضافة إلى النواب الشيعة.

ومن جانب آخر صوّت عدد من النواب المحسوبين على الحكومة ضد الوزير بينما وقف البعض منهم في خانة الامتناع أو مع الوزير، وأما الأكثر طرافة في نتيجة طرح الثقة هذه المرة أن البعض ممن يطلق عليهم بالتأزيميين صفوا إلى جانب الوزير بينما وقف ضده بعض "حكماء" المجلس!

وفي رأييّ أن خريطة التصويت على طرح الثقة في وزير الإعلام يجب أن تقرأ من زاويتين مهمتين؛ الأولى، تخص الشارع الكويتي وتحمل عنوان الوحدة الوطنية، فعلى الرغم من الضغوط الهائلة التي مورست من أجل إنقاذ الوزير وتغير المعادلة التصويتية قبل ساعات فقط من جلسة طرح الثقة، فإن الكتلة التي صوتت ضد الوزير نجحت في تركيبتها وتنوعها وامتدادها المناطقي في إيصال تحذير واضح وقوي بأن الوحدة الوطنية خطٌ أحمر، وأن أي محاولة للزج بورقة الفتنة الداخلية لأغراض ونوايا سياسية مآلها الفشل الذريع، وأن مَن يتوانى في التصدي لمثل هذه الجريمة سيواجه بمحاسبة عسيرة مهما حاول المطبلون والمفلسون النفخ في هذا البالون الأخرق. ولعل نتيجة التصويت تكون بمنزلة النصيحة الصادقة لمن يريد من النواب أو غيرهم أن يتسلق لتسجيل البطولة والشعبية على وتر الطائفية أو الطبقية، بأنه واهم، وقد تكون هذه معركة سياسية اختاروا المضي فيها، لكنها لن تنجح، وبالتالي يُرجى أن يعود هؤلاء الواهمون إلى رشدهم السياسي ويستغلوا جهدهم وفكرهم وتجربتهم ووقتهم للتصدي لمشاكل وهموم الناس والدولة.

أما الرسالة الثانية، فيجب أن تقرأها الحكومة بوضوح، ولا داعي لشرح حجم اللوبي الحكومي في تغيير نتيجة التصويت فهذا شأنها في الدفاع عن وزرائها من منطلق التضامن الوزاري، لكن الحكومة لم تنتصر سياسياً في الاستجواب الأخير كما فعلت في الاستجوابات الخمسة السابقة، حيث كان الاستسلام الحكومي للهزيمة السياسية بعد جلسة الاستجواب واضحاً لدرجة أنها كانت تستجدي تأييد بعض النواب للوزير مقابل الوعد بأنه سيزاح مع أول تعديل وزاري وبالتحديد خلال شهرين!

وهذا مؤشر مهم على أن الأغلبية البرلمانية التي كانت تتمتع بها الحكومة مع بداية الفصل التشريعي بدأت تتراجع، بل قد يطيح أي استجواب قادم بأحد وزرائها، وبالتالي اهتزازها بقوة من جديد، ذلك أن الحكومة خذلت الكثير من النواب الموالين لها وأحرجتهم شعبياً بسبب مواقفها المتشددة ودون معنى من القضايا الشعبية التي باتت تمثل قلقاً كبيراً لعموم الناس، ناهيك عن الوعود التي لم يتم الوفاء بها لهم!

وإذا كان من تعديل وزاري حسب كلام مرجعيات سياسية عليا، فأضعف الإيمان أن تعيد النظر في فلسفتها تجاه المواطنين وأمام نوابهم، فهؤلاء الناس هم الشعب الذي يعتبرهم الدستور مصدر الإرادة وتدَّعي الحكومة أنها القيم على شؤونهم ومفرِّج همومهم!