كما نفعل نحن مع قطعة الخبز الملقاة على الأرض، يفعل الكوريون مع الأموال والمشاريع الملقاة على الأرض، يقبّلونها وجه وقفا ويضعونها على الرصيف، كي لا تدهسها أقدام المارة. لكن الكوريين يحترمون ويقدسون عادات غيرهم، لذلك قدسوا عادات الكويتيين، فعندما فازوا بعقد مناقصة ضخمة في وزارة الكهرباء تعاملوا معها بطريقتنا وعاداتنا وتقاليدنا، فرفعوا العقد على نور اللمبة بحثاً عن ثغرة ينفذون من خلالها ويتسللون، وخفّضوا الكميات، وتلاعبوا بالمواد، ولبّسونا العمائم. ومن عرف لغة قوم أمِنَ مكرهم. ونحن قوم يتحدثون بلغة السرقة، بشرط أن يكون السارق قريباً من أصحاب القرار، كي يأمن لهيب النار، ويدافع عنه «العقلاء» والشطار.

Ad

وفي هذا الزمن المجهول الأبوين، زمن المؤرخ محمد الجويهل (قد أتحدث لاحقاً عن اتصاله بي وما دار من حديث بيننا، عندما تكرّم ومنحني شرف المواطنة، ومنح أسرتي شرف الانتماء الحقيقي إلى الكويت، وكنت قبلها أشك في كويتيتي وأراقب تصرفاتها وأتفقد هاتفها النقال، لكن رحمة ربك أسعفتني بالجويهل الذي طمأنني، يا ما أنت كريم يا رب. حينها سمع مني كلمات لا يمكن أن تغنيها أم كلثوم، ولا غيرها، وأظنه لن يهاتفني مرة أخرى)، في زمن هذا الجويهل، وزمن «العقلاء»، وزمن كتّاب التحكحك الباحثين عن مناصب وزارية عبر ضرب المعارضة، وزمن الصحف والفضائيات الباحثة عن «الرينج روفر» و»البي أم دبليو» والعقود، باستثناء فضائية الراي، التي نعتبرها شباك سجن تتسلل إلينا منه شوية أشعة شمس انحرفت عن بقية القطيع، إضافة إلى مَن رحم ربي من الصحف والكتّاب... أقول، في زمن بارد كهذا، من لا يسرق ويرتشي ويرشو عليه أن يغادر البلد فوراً، أو «في لحظة التو» كما كتب أحد القراء في رسالته إليّ.

في زمن كهذا، كئيب كالمسلسلات الكويتية، تعرض الحكومة مشاريعها، سواء «استاد كرة قدم»، أو «محطة ضخ» أو «خطوط سريعة»، أو غيرها، فيتنافس المتنافسون، فتفوز شركة اعتادت الفوز، واعتادت حرق الأسعار، ليبدأ اللعب بـ»الأوامر التغييرية». والأوامر التغييرية تشبه حليب الأطفال «سيريلاك»، يجعل طفلك ينمو وينمو وينمو. وقد تلتبس الصورة على الناس فيظنون أن كل التجار لصوص، وكلهم استحواذيون، وكلهم قريبون من الباشا، وهذا غير صحيح، واسألوا أنفسكم عن شيخان الفارسي، مثلاً، الذي يرفع أسفل ثوبه عن مشاريع الـ»هكّا هكّا» التي انتشرت في عهد حكوماتنا الأخيرة، وفي الوقت نفسه تجده أحد أكبر المتبرعين بصمت. وغيره كثر، نعدّهم على أصابع اليد المبتورة.

وأقول لوزير الكهرباء، الدكتور بدر الشريعان، شكراً على إحالة الكوريين إلى لجنة تحقيق، وتأكد أننا معك نتابع التحقيق، ونأمل أن تضع أصابعك في أعينهم الضيقة، وأن لا تتم طمطمة الموضوع بالاستعانة بأحد النواب «العقلاء».

وكانت الرشوة مقصورة على بعض المقيمين من غير الكويتيين، ومع انتشار الفساد انضم إليهم بعض صغار الموظفين الكويتيين، ثم جاء هذا الزمن، زمن المؤرخ، فانضم الكبار، وها هو أحد الأطباء الكويتيين في مستشفى الرازي يبتز المرضى بكل ثقة، ويجبرهم على شراء المستلزمات الطبية من صيدلية محددة، فتذمّر الناس، ولا من حسيب ولا رقيب... العب يا دكتور بنا لعب البرازيل بالكرة، فأنت ونحن نعلم أننا في «زمن مجهول الأبوين». أبوك زمن.