• تمنيت وجود كاميرا فوتوغرافية بمعيتي لتوثق مشهد ذلك السائح الكويتي، الذي انتحى ركنا قصيا من المقهى ليطالع كتابا بشغف واضح! قلت لنفسي الأمارة بالريبة والشك: لعل صاحبنا من بادية الشام، أو أنه من بني غير محددي الجنسية! لاعتقادي الجازم بأن القراءة اليومية للكتب، ليست من ضمن أولوياتنا في السفر! والعزوف عن القراءة ليس قاصرا على الكتب وحدها، بل إنه يشمل القراءة بتجلياتها كافة! كما تتبدى في قراءة الطبيعة، والإنسان بكل ما تنطوي عليه حياته اليومية من مكابدة وعادات وتقاليد وطقوس تستأهل البحلقة والمعرفة والتأمل والاكتشاف والدهشة والمقاربة والمقارنة، وما إلى ذلك من استجابات تتمخض عن السياحة في الإنسان والمكان والتاريخ والجغرافيا وغيرها. وقد نوهت في مقالتي الأخيرة بقولة «تزعم» أن السائح الكويتي يجلب معه إلى موطن سياحته، كل ما اعتاده وألفه في الموطن الأم، ومن النادر أن تجد في شنط السفر المتخمة بالزاد الكويتي، زادا فكريا وثقافيا يتبدى في عدة كتب! من هنا تجد أن السياحة في عرفنا محصورة بالتسوق والتسكع في الأسواق و»المولات» رافعين شعار ذاك «الشويّخ من أرض مكناس» الهاتف بملء فيه: إيش عليّ من الناس، وإيش على الناس مني» اللهم لا اعتراض على حرية الإنسان الشخصية، لاسيما حين يكون سائحا في أرض الله الشاسعة!

Ad

• حين كنت أزور المؤرخ الباحث الأديب العم «أحمد البشر الرومي»، بمعية صديقه الحميم الفنان العم «حمد عيسى الرجيب» رحمهما الله، كان الأخير يسأله، قبل أن نتربع على المقاعد، مالي أراك وحيدا يا أبا عبدالله؟ وكان يجيبه تواً: ومن قال لك أني وحيد؟! فبصحبتي الآن «بوعثمان الجاحظ، وأبو الطيب المتنبي، وفهد العسكر وغيرهم من أعلام الشعر والأدب والتاريخ... إلخ».

وهنا يقول له العم «بو خالد الرجيب» ممازحا: الحق أني أخشى عليك يا أبا عبدالله أن تموت موتة صاحبك «الجاحظ» الذي انهارت عليه كتبه الثقيلة وزنا ومعنى فأردته قتيلا!

ويرد عليه «أبو عبدالله» ضاحكا: لا بأس علي من موتة «الجاحظ»، فهل يكره المرء أن يموت شهيد الكتب؟! وقد تداعى إلى ذاكرتي هذا المشهد المحفور فيها، وأنا أتابع احتفاء اللبنانيين الأشقاء في بيروت عاصمة عالمية للكتاب. والحق أن هذا الاختيار تستحقه العاصمة اللبنانية بامتياز، لكونها عاصمة طباعة ونشر المصنفات الإبداعية العربية طوال الخمسين سنة الأخيرة، فعلى الرغم من مآسي الحرب الأهلية، ومكابدة الممارسات الإرهابية الإجرامية الإسرائيلية، فإن بيروت مازالت السباقة الأولى في مهمة النشر والترجمة والتوزيع!

ففي كل أسبوع أهبط إليها من الجبل لأعود إليه محملا «بخيشة» عامرة بالعناوين الجديدة في شتى مناحي المعرفة! رحم الله عمنا شهيد الكتب وغفر له، بالإذن من مكتب الشهيد العتيد!