في الحادي عشر من شهر الثلج (بهمن) الإيراني من عام 2010 الميلادي وهو ذكرى انتصار ثورة الخميني الإسلامية، تكون رصاصة الرحمة قد أطلقت على ما يسمى بأصحاب «المراجعات الفكرية» أو من حرصوا على تسمية أنفسهم بالإصلاحيين، أو من تسميهم الدوائر الغربية بالمعارضة.

Ad

كيف ذلك؟

ذلك لأن جوهر ما كانت تقوله تلك الفئة من أبناء الثورة هو أن جمهور العامة من الناس ممن اختار نهج الخميني في عام 1979 لم يعد هو نفسه جمهور عام 2010، والذي برأي هؤلاء المراجعين أن الزمن لم يعد هو الزمن، وأن جمهور «الحداثة» يطالب بإصلاحات جذرية أهمها أنه لم يعد يؤمن بولاية الفقيه، ناهيك عن اعتراضه على شخص الولي الفقيه الحالي آية الله علي خامنئي.

لكن أي متتبع موضوعي لما جرى من وقائع على الأرض يوم الخميس الماضي يستطيع تفنيد تلك المزاعم التي ظل يلوكها أشباه النخب وأشباه المثقفين ورعاتهم الدوليون بالوقائع المسندة والأرقام وذلك كما يلي:

لقد نزل إلى الشارع في ذلك اليوم الأغر ما يقارب من خمسين مليونا من جمهور العامة من الناس في أكثر من ثمانمئة مدينة وبلدة، ونحو أربعة آلاف قرية ممن يقول عنهم بنك معلومات الأمم المتحدة بأن سبعين في المئة منهم هم من الشباب، كان شعارهم الرئيس: «خامنئي خميني ديكر است لبيك يا خامنئي». أي كانوا يقولون بأن «خامنئي هذا الذي تدعون أننا لم ننتخبه، وأن ولاية الفقيه التي تدعون أنها أصبحت في متاحف التاريخ، هي ليست فقط خيارنا الواعي نحن الشباب أيضا، بل إننا نعتقد أن خامنئي هذا قد جددها كما هي حياة وحيوية الخميني الراحل، ولذلك نحن هنا في الشارع من جديد».

بل إن شبابا وفتيات من تحت سن العشرين ممن ظهرت عليهم مظاهر «الحداثة» بكليتها في لباسهم كانوا قد أبدوا حماسا منقطع النظير لمبدأ ولاية الفقيه، فضلا عن إظهار البيعة للمرشد علي خامنئي، ناهيك عن إعجابهم الشديد بالرئيس محمود أحمدي نجاد.

قد يجادل أحدهم هنا ليقول إن هؤلاء قد سيرتهم أجهزة النظام كما جرت العادة في الادعاء، أو أن هذه الأجهزة لم تسمح «للآخرين» للتعبير عن أنفسهم، لكن هذا مردود عليه، لأنه يعني إما أنكم تحتقرون هذا الجمهور العريض من خلال اعتباره ليس راشداً وبهذا فهو لا يستأهلكم، وإما أنكم مرة أخرى تخطئون في فهمه، وهو إذن ليس منكم ولا تستأهلونه وهو الأقرب إلى الواقع. ولكن ما السر إذن في خطأ تلك التخمينات، وتناقضها مع وقائع يوم الاستفتاء الجديد على الجمهورية الإسلامية رغم مرور نحو ثمانية شهور كانت من أقسى وأشد أنواع الحرب النفسية الناعمة التي اشتركت فيها كل إمبراطوريات الغرب الإعلامية المتطورة؟

السر يكمن في ذلك الفهم المقلوب والساذج من قبل أشباه المثقفين والنخب القاصرة تلك، ومعاهد الدراسات الغربية المتعاونة أو المتعاطفة معها لما حصل ويحصل في إيران منذ نحو خمس سنوات أو يزيد.

كيف ذلك؟

نعم، وصحيح مئة في المئة ما يقال بأن ثمة شيئا كبيرا كان ولايزال يعتمل في صدور الشباب والشابات الذين نشؤوا بعيدا عن الخميني الكبير، وأن هذا الذي في الصدور والنفوس فيه الكثير من التمرد والاعتراض والغضب، ولكن على من؟ إنه على أولئك الذين ترهلت أجسامهم وأفكارهم، واستغرقوا في أمور الدنيا وإغراءاتها من امتيازات مادية و«معنوية» سواء كانوا من رموز المحافظين أم من الإصلاحيين لا فرق تقريبا، ما جعلهم على مسافة لابأس بها من الخميني الذي يتشدقون به، أو عن تعليماته التي في المدارس والجامعات يعلمون، وهكذا استرخت عزائمهم حتى نسوا أو تناسوا هموم الشباب والشابات من الجيلين الثالث والرابع للثورة، وباتوا بعيدين عنهم بعد الراعي عن الرعية.

* الأمين العام لمنتدى الحوار العربي - الإيراني