المتابع لأخبار الكويت هذا الأسبوع وما تبقى من الأسبوع الماضي لا يجد أمامه سوى موضوع كرة القدم النسائية للتعليق عليه، ولا أعلم هل الموضوع يستحق المتابعة أم دخول النواب الدينيين طرفاً في الموضوع يستوجب التعليق؟!

Ad

شخصيا، أنتمي إلى تيار يرى أن الكويت دولة مدنية، يحكمها الدستور والقوانين، وعليه فإن صراخ الدينيين لا يعدو عن كونه مجرد موجة يحتويها بحر حرية التعبير.

لدينا فتيات يردن لعب كرة القدم، وقف بوجههن تيار متكامل من نواب ومؤيدين يريدون منعهن من ممارسة اللعبة، هذه هي المسألة بكل بساطة، لكن في الكويت كل شيء يأخذ طعماً مختلفاً عن طبيعته، وعليه كان طعم معارضة لعب الفتيات كرة القدم مغايراً عن السائد.

أولياء أمور ارتضوا لبناتهم لعب كرة القدم وتمثيل بلدهن في المحافل الدولية، دون أن يأخذوا باعتبارهم مدى قدراتهن على الفوز أو الخسارة، مقدرين شغف فتياتهم باللعبة، ورغبتهن بلبس «فانيلة» زرقاء منقوش على جانبها الأيسر ناحية القلب اسم وشعار دولة الكويت، لكن مع ذلك رأى بعض النواب أن هذا الأمر غير مقبول، فهددوا وأرعدوا وأزبدوا بالمساءلة، مع أنني كنت أتمنى أن يستخدموا ذلك لما يحدث على مستوى كرة الرياضة بمطلقها وليس كرة القدم النسائية.

يقف البلد ونتفرغ للنظر في مسألة فتيات أردن لعب كرة القدم، فهذا يأتي بفتوى وذلك يرجع إلى تفسير نص، ويقابلهم من يتمسك بالدستور والحريات، مع العلم أن المسألة، أكررها ثانية، مجرد فتيات أردن لعب كرة القدم، وأولياء أمورهن لم يجدوا غضاضة في ذلك، أو حتى يفكروا بما نحن فيه الآن.

أي عبث يقوم به نواب التيار الديني في بلادي؟ ولماذا وحدهم لهم الحق في تحديد مسار المجتمع؟ ومن أين استمدوا هذه الصلاحية؟!

لو أبقينا المسألة في إطار حرية التعبير، وأن ما نراه مجرد تعبير عما يحدث وتسجيل مواقف، لما كان هناك أي اعتراض، لكن من يعارض اليوم يهدد بممارسة دوره بتضييق دائرة المنع، ويدخل من يخالفه دائرة التكفير، ويريد أن يمارس تعسفه وسط صمت حكومي وتقاعس مدني، وهنا تكمن المشكلة.

لا تعنيني مشاركة أو تأهل، بل حتى فوز منتخب كرة القدم للفتيات ببطولة كأس العالم أو كأس آسيا، بل أريد التركيز على أن ما نراه اليوم من معارضة واستماتة للتضييق تصل إلى حد منع منتخب كرة القدم النسائي من قبل النواب الدينيين، يجب ألا نعزله عن موقف النواب أنفسهم والتيار الذي يمثلونه من المرأة بالمطلق.

هناك عداء معلن للمرأة من قبل التيار الديني، فهو وقف ضد حقها بالمشاركة في العملية السياسية، وتصدى لدخول نائبات غير محجبات إلى المجلس، وسجل موقفاً بضرورة أن تتقاعد المرأة عن العمل مبكراً، ثم أراد أن يحدد لها ساعات العمل عندما فشل في مشروعه الأول.

الديمقراطية تعني أن أصل التشريع بيد الأغلبية، والحكم هو الدستور، وكلاهما أكدا أن الأغلبية تحدد التوجه، وأن على الأقلية الاحتفاظ برأيها مع انصياعها لتوجه الأغلبية، لكن مع ذلك نرى أن نواب التيار الديني في هذه المسألة تعدوا مسألة تسجيل الموقف إلى حد فرض واقع مغاير لما تريده الأغلبية، وتشكيل ما يريدونه هم، فقط لأنهم نواب في المجلس، وهو أمر غير مقبول في الممارسة الديمقراطية، فجميع من خاض الانتخابات البرلمانية خاضها وفقاً لمبدأ الديمقراطية، ومرتكزه الدستور، وليس لأنه يمثل تياراً أو فريقاً دينياً، ليملي علينا ما يريد.

خلال الأولمبياد الشتوية الأخيرة فاز منتخب فتيات كندا للهوكي على الجليد على نظيره الأميركي، وتوجت الكنديات بطلات للعالم، وكادت أن تحدث أزمة بين البلدين لما اعتبره الأميركيون مبالغة بالتعبير عن الفوز، حينما فتحت لاعبات كندا قناني شامبانيا ودخّنّ السيجار وسط صالة الثلج احتفالا بالفوز، وأخذ النقاش في البلدين بعداً اجتماعياً ونفسياً أكثر منه رياضياً، نظراً لأن من بين المحتفلات لاعبات لم يبلغن 21 عاما، وهو ما اعتبره المعارضون تشجيعاً من اللاعبات لظواهر غير مستحبة وفقاً لمفهومهم، ولا يتماشى مع الأخلاق الرياضية.

قارنوا بين النقاش حول الأخلاق الرياضية عندهم، وما يريد متدينونا منعه باسم الدين، واسألوا أنفسكم ما الذي يعطي لمجموعة من نوابنا الحق في تشكيل المجتمع كيفما يريدون؟ ولماذا المسألة نفسها تأخذ بعداً مختلفاً في الدول المتحضّرة، بينما هي العكس هنا تماماً... وعندها ستعرفون الفرق؟