لو أن إيران تقبل النصيحة لقبلت أن يقال لها ألا تأخذ على محمل الجد كل هذا الذي تسمعه من بيانات وتصريحات يتوعد أصحابها "العدو الصهيوني" و"الاستكبار العالمي" بالويل والثبور وعظائم الأمور، فمثل هذه التصريحات والبيانات كان سمع صدام حسين أكثر منها زمجرة، وعندما حانت لحظة الحقيقة تركه ثوار ومجاهدو المناسبات يواجه مصيره وحده، وكانت النتيجة أن أُلقي القبض عليه مختبئاً في تلك الحفرة الحقيرة كالفأر المذعور.

Ad

حتى إيران نفسها كانت قد وعدت قادة "حماس"، عندما كانت تدفعهم إلى التصعيد خدمة لحساباتها الإقليمية، بأنها ستزلزل الأرض من تحت أقدام العدو الصهيوني، لكنها بعد أن وقعت الواقعة لجأت إلى تبديل الأولويات، وبدلا من أن تصب جام غضبها على إسرائيل لجأت إلى شنِّ حملة ظالمة على مصر، شارك فيها كل حلفائها، وذلك في حين أن هذه الدولة العربية كانت توظف كل إمكاناتها، وعلى كل المستويات وفي كل الاتجاهات، لوضع حدٍّ وبسرعة لتلك الحرب المدمرة التي فرضت على غزة وشعبها فرضاً، ووفقاً لأجندات لا علاقة لها باهتمامات وهموم الشعب الفلسطيني.

ولعل ما يذكره "الأشقاء" الإيرانيون أن ما حصل بالنسبة إلى الحرب على غزة حصل بالنسبة إلى حرب عام 2006 على لبنان، فالقبضات التي كانت ترتفع قبل بدء هذه الحرب بلحظات ما لبثت أن تراخت حتى حدود التلاشي النهائي، وترك "المتضامنون"، الذين أشبعوا إسرائيل والولايات المتحدة شتماً ووعيداً وتهديداً، الشعب اللبناني، وخصوصاً أهل الجنوب وضاحية بيروت الجنوبية، يواجه ذلك الاستحقاق الصعب وكانت النتيجة كل هذا الدمار الذي لايزال ماثلاً للعيان.

ولهذا فإنه على عقلاء القيادة الإيرانية أن يحسبوا الأمور جيداً، وأن يتعلموا في هذا المجال من تجاربهم وتجارب غيرهم. إن عليهم أن يدركوا أن هناك فرقاً كبيراً بين الأقوال والأفعال، وأن ما سمعوه في الأيام الأخيرة هو مجرد أقوال مثلها مثل الأقوال التي سمعتها "حماس" قبل حرب غزة، ومثل الأقوال التي سمعها حسن نصرالله قبل حرب يوليو عام 2006 على لبنان.

على معممي الثورة الإيرانية العقلاء أن يضعوا نصب أعينهم الآن، وسماء المنطقة تتلبد بغيوم سوداء والأوضاع تقترب من لحظة الانفجار، الحديث النبوي الشريف القائل: "السعيد من وُعِظَ بغيره". إن على هؤلاء ألا يركنوا إلى هذه القبضات التي ترتفع عالية في الهواء، متوعدة الاستكبار العالمي وإسرائيل بهزيمة نكراء، فمثلها كان ارتفع أمام جمال عبدالناصر قبل حرب يونيو عام 1967، وأمام صدام حسين قبل كل مغامراته التي أوصلت العراق وأوصلت المنطقة كلها إلى كل هذا الدمار... والسعيد من اتعظ بغيره!