مبدأ تقسيم الثروة يخضع دائماً لألوان وأشكال من الصراع الذي يمتد طولاً وعرضاً في أي مجتمع، فقد يكون هذا الصراع قائماً على الفكر السياسي الاقتصادي للدولة والنظام الحاكم، حيث يصنف الناس إلى الأغنياء والفقراء، أو تعطى الحظوة للطبقة العاملة كما هي الحال في الفلسفة الاشتراكية، أو تتسيد النخبة الدكتاتورية الوضع، وتكون الثروة عندها محكومة بالزمرة الحاكمة والدوائر المقربة منها تبعاً لمستويات الولاء، وفي كل حالة من الحالات السابقة تكون معايير تقسيم الثروة واضحة وثابتة ومعلومة لدى الجميع، ولا يغيرها سوى التغييرات الثورية الدراماتيكية التي تنسف قوام الدولة والمجتمع ككل.

Ad

وفي الكويت لا تخضع معايير تقسيم الثروة لأي ثوابت، ولا تحكمها ضوابط محددة، أو ليست قابلة للتنبؤ، فمسألة توزيع الأموال والهبات سواء كانت بالملاليم أو بالملايين فهي في الغالب الأعم تكون بمنزلة مفاجآت سارة، ودائماً تكون بقرارات سياسية متقلبة وأحياناً متناقضة.

ولا يخلو الأمر من العناد السياسي أو التكسب لشراء الولاءات الشعبية بسبب الصراع بين المجلس والحكومة، كما لا يخلو مبدأ صرف المال السياسي من عوامل النفوذ والضغط من قبل شخصيات قوية ومؤثرة في القرار.

ومثل هذه الخريطة الكويتية تجعل من مقولة "الكل يريد أن يأكل" حقيقة قائمة على الأرض ليس كشعار، وذلك أن هذا الشعار ينطبق على كل إنسان يعيش على سطح هذا الكوكب، إنما كترجمة عملية لتفعيل هذا الشعار.

فأصحاب الوظائف الفنية والمهنية بدؤوا حملة منظمة لإقرار كوادر جديدة لهم تتلاءم مع طبيعة عملهم واختصاصاتهم، والمتقاعدون يصرخون دوماً لزيادة رواتبهم المحدودة، وعموم الموظفين يشتكون كذلك من التمييز ضدهم في أي زيادات على رواتب الدولة.

وأصحاب القروض دخلوا في معركة سياسية كبيرة لتحريرهم من الفوائد التراكمية التي تجاوزت أصل الدين، والمستأجرون مازالوا بانتظار إقرار قانون الإيجارات الجديد الذي أصابه العفن في أدراج لجان المجلس منذ عشرين سنة.

وفي المقابل دخل كبار رجال الأعمال على الخط مطالبين بتعويضهم من جراء النكسة المالية العالمية، وانهيار البورصة، وعن خسائرهم في المشاريع التي ينفذونها للدولة، كما يبررون وجودهم في مجالس الإدارات والهيئات الحكومية التي تخطط للمشاريع والمناقصات العملاقة، وتنتابهم الهيستيريا واتهام الآخرين بالحسد والجهل إذا ما قيل إن قوانين منع تضارب المصالح تحظر عليهم الجمع بين التجارة والعمل في الوظائف القيادية.

أما التجار فمن دون حسيب أو رقيب يرفعون الأسعار، خصوصا على أبواب المناسبات، ومنها شهر رمضان المبارك القادم قريباً.

ولا يجمع مطلب المتقاعد البسيط الذي ينتظر زيادة قوامها خمسون ديناراً في الشهر، ومطلب الشركات الاستثمارية العملاقة التي تطالب بتعويضها عن خسائرها البالغة مئات الملايين ومطلب رجال المال والأعمال في ترسية مناقصات برنامج التنمية التي تبلغ ميزانيته ثلاثون ملياراً سوى شعار واحد هو نريد أن نأكل!!