بينما كنت أشاهد برنامج «استديو دورة الروضان» الذي استضاف الشيخ أحمد النواف الصباح قبل أيام، عدت بالذاكرة إلى موقف حصل أمامي قبل سنوات قليلة عند زيارتي صديقا من أبناء أسرة الصباح في المستشفى، إذ بينما كنا نتبادل الحديث دخل علينا شخصان وقفا في منتصف الغرفة وألقيا قصيدة تمجد به ثم رحلا وسط ذهولي، فقال صديقي «والله ما أعرفهم» وأخرج لي ورقة فيها قائمة طويلة بأسماء أشخاص تطفلوا عليه وهو لا يعرفهم أثناء وجوده في المستشفى، وعبر لي عن عدم ارتياحه بأن يظهر نفسه كـشيخ، ولكن تصرفات بعض الناس تضعه في مواقف محرجة.
يواجه المخلصون والمتواضعون من أبناء الأسرة معضلة اجتماعية، فعلاوة على طغيان صوت بعض أبناء أعمامهم عليهم واستغلالهم «الشيخة»- لا الكفاءة- لبناء الشعبية وتحقيق الطموح بالسلطة، عليهم أيضاً مواجهة بعض المواطنين الذين يأبون إلا أن يفرضوا الشيخة عليهم، وأن يكونوا «فداوية» ومطبلين حتى إن لم يسعوا إلى ذلك، وحلقة «استديو دورة الروضان» التي حل عليها النواف ضيفاً كانت مثالاً على ذلك.الشيخ أحمد النواف غني عن التعريف والشيخة، إذ يشهد له الكثيرون على إخلاصه في العمل في المناصب التي تبوأها، وله صيت ذائع بمتابعته الشخصية لمعاملات المواطنين في إدارته وتذليل العقبات للإسراع في تخليصها، وغير ذلك فلي بحكم تجارب شخصية أن أدعي المعرفة بتواضعه ولباقته، ولعل صفة «الخلوق» هي أدق ما يمكن وصفه بها.لذلك، لم أملك سوى الاستنكار بينما أشاهد البرنامج، منذ متى أصبح الكويتيون يخاطبون أبناء الأسرة بـ»يا شيخ» و»شيخ أحمد» كما كان يصر مقدم البرنامج واللاعبون القدامى المشاركون في الحوار؟ وهو أسلوب يلاحظ ازدياده أخيراً، فهل من العيب مخاطبته بـ»اللواء أحمد» أو على الأقل «بونواف؟» ففي ذلك أكثر مهنية وأقل تملقاً.أما نوعية الحوار فحدّث ولا حرج، فالمقدم طلب من اللاعب السابق فواز بخيت ذكر بعض المواقف التي اشترك بها مع النواف في مسيرته الرياضية، فأجاب، بعد مقدمة أراد منها التشويق لما سيلحق، أن النواف كان يحتفل مع اللاعبين في الباص بعد أحد الإنجازات، وبذلك أراد بخيت أن يشدد على أن اختلاط أبناء الأسرة مع الناس أمر استثنائي وفوق العادة.ثم وجه المقدم السؤال نفسه إلى اللاعب السابق أسامة حسين، فأجاب أنه سيذكر فقط المواقف الجدية وليست المضحكة «لأنه شيخ ولواء ... على طول يرَكَّبني الدورية». (لواء بالشرطة يركبك الدورية فهمناها، شيخ شكو؟) ثم أضاف أن عدداً من المشاهدين أعطوه معاملات لتخليصها مع النواف عند استضافته. وللأسف بعد أن بدأ النقاش غنياً بالجدية والإفادة، خصوصاً أن النواف من الرياضيين القليلي الظهور في الإعلام وله آراء جديرة بالاستماع، تحول النقاش إلى تطبيل ومسح جوخ لم يسع النواف إليه.للأسف لقد تم تلويث عقليات كثيرين من أبناء الأسرة والمواطنين على مر العقود في طبيعة العلاقة الاجتماعية بينهم، فبعد أن أتى الدستور ليحدد المقامات الرسمية ويؤطر العلاقة بين السلطة والأفراد ويزيل كل الفوارق والحواجز ومنها الشيخة، لم يعجب البعض ذلك فدأب على تعزيز شيخته بأساليب مختلفة، كالتجنيس السياسي وشراء الولاءات وتعطيل مصالح الناس واحتكار الامتيازات وتخليص المعاملات وتجنيد «الفداوية»، وأصبحنا شيئاً فشيئاً نفقد سمة انعدام الفوارق والحواجز بين الأسرة الحاكمة والمواطنين التي لطالما ميزتنا عن جيراننا.
مقالات
يا شيخ
10-09-2009