هناك مشكلة كامنة تمثل أحد مسببات السلوكيات والثقافات السلبية في المجتمع، ألا وهي تداخل مسؤوليات مؤسسات المجتمع بمفهومها العلمي والنظري، وبالتحديد عندما تقوم الدولة بدور ولي الأمر والوصي على الأفراد بدلاً من أن تقوم به أسرة الفرد كمؤسسة اجتماعية واقتصادية قائمة بذاتها وتمثل أحد مستويات صنع القرار في المجتمع.

Ad

لم تشهد أجيال ما بعد اكتشاف النفط غير الدولة رباً للعمل لكي تطالب بالتحرر الاقتصادي والعمل الحر، ولم يشهد جيل ما بعد الصحوة الدينية الانفتاح الثقافي والتسامح الإنساني لكي يحس بقيمتهما كبديل للواقع الحالي، وساهم مرور أكثر من جيل على استمرار وصاية الدولة في جعلها من المسلمات التي قلما تناقش، بل توسعت وصاية الدولة إلى الأسرة وسلبتها بعض مسؤولياتها، وهناك مثالان خلال الأسبوع الماضي لهذا التوسع... الأول، هو تصريح وزارة الداخلية بأنها تراقب متصفحي المواقع الإباحية وأن بحوزتها أسماءهم وعناوينهم وأرقامهم المدنية وأرقام حساباتهم البنكية، وهو أمر بعد التسليم بأنه تلصص مخالف للدستور على خصوصية الأفراد وحرياتهم الشخصية، إنما يمثل أيضاً سلب الدولة دور الأسرة في التربية، فالأسرة اتخذت قرار توفير الكمبيوتر والإنترنت لأفرادها، وهي أحرص على مصلحتهم وتتحمل مسؤولية تقويم سلوكياتهم مادام الضرر لم يتعد حدود المنزل.

المثال الثاني، هو إعلان وزارتي الصحة والعدل عن قرب البدء في تطبيق قانون الفحص الطبي قبل الزواج،» وقد كتبت مقالاً بعنوان «زواج ثلاثي الأطراف» بتاريخ 29 مايو 2008 قبل إقرار القانون في المجلس السابق أعترض فيه على إقحام الدولة كطرف ثالث في اتفاق يبرم بين فردين هما الزوج والزوجة برضاهما، إذ يجب عليهما الآن الحصول على شهادة بأنهما أجريا الفحص كشرط لعقد القران وتوثيق الزواج لدى وزارة العدل. وقد برر للقانون بأنه يحمي الأجيال القادمة من الأمراض المعدية والوراثية، وهو تبرير معقول لغاية إيجابية، ولكن الوسيلة ليست في محلها، إذ إن اتفاق الزواج يبرم بين طرفين بكامل وعيهما وإدراكهما، ولأي منهما حق مطلق في اشتراط ما يريد على الآخر، إذن لا توجد ثغرة لتسدها الدولة بإقحامها، وإن كانت الذريعة هي قلة وعي الناس، فكان يجب على الدولة توعيتهم إعلامياً أو من خلال المأذون، وهذا هو دور الدولة الطبيعي، بينما الحرص على مصلحة الزوجين هو دورهما ودور أسرتيهما الطبيعي.

لقد كُتب دستور الكويت بنَفَسٍ ليبرالي يميل إلى تحرير الفرد من سطوة الدولة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والفكرية، بينما كثير من القوانين والقرارات الحكومية تسير باتجاه معاكس، وفي ذلك استمرار لترسيخ وصاية الدولة على الفرد ولعب دور ولي الأمر له. ألا يكفي اعتماد الفرد شبه الكلي على الدولة في كسب الرزق والمال، حتى يُدفع إلى الاعتماد عليها أيضاً في التفكير والحرص على مصلحته؟!