ما هكذا تورد يا سعدُ الإبل!
ارتكب جلال الطالباني خطأً ارتقى إلى حدود الخطيئة عندما أعلن، بينما كان الجدل على أشدّه كما هو الآن حول تشكيل حكومة ما بعد الانتخابات الأخيرة، انحياز الكتلة الكردستانية إلى الائتلاف الشيعي لإنشاء هذه الحكومة، فهو أولاً رئيس جمهورية العراق والمفترض أن رئيس الجمهورية يتجنَّب التسرع في الانحياز إلى أي طرف حتى إن كان رئيس حزب سياسي له مصالحه وانحيازاته واتجاهاته وتوجهاته، وهو ثانياً ينتمي إلى التجمع الكردستاني الذي ليس في مصلحته على المدى الأقرب والأبعد أن يدير ظهره إلى العرب السنة فهم المحاددون لإقليم كردستان العراقي جغرافيّاً ثم إن عمقهم يمتد من المغرب في الغرب وحتى إندونيسيا في الشرق وهو يشمل تركيا الصاعدة كالسهم المنطلق من قوسٍ مشدودة الوتر لأخذ دور فاعل ومؤثر وقيادي في هذه المنطقة.
لا أحد ينْكرُ أن جلال الطالباني لاعب سياسيٌّ بارع ومقتدر لكن ما كان يؤخذ عليه في عهد صدام حسين وقبل ذلك أنه كثير التَّقلُّب وأن من عادته نقل البندقية من كتفٍ إلى كتفٍ أخرى وفقاً لحسابات خاطئة وهذا ألحق بالحركة الوطنية الكردية أضراراً كثيرة وجرَّ عليها الكثير من المآسي، ويظهر أنه رغم تجاربه المـُرَّة لم يدرك أن عليه أن يتخلَّى عن هذه الألاعيب السياسية المكلفة، وأن عليه أن يتصرف كرئيس دولة عربية حساباتها غير حسابات أي تجمع قوميّ صغير، وغير حسابات أي طائفة سواء كانت رئيسية أم ثانوية. وهكذا ولأن الطالباني معتدٌّ أكثر من اللزوم بأساليبه "التكتيكية" هذه فإنه تعمَّد أن يزور إيران خلْسة وبطريقة التسلُّل في مباريات كرة القدم خلال انعقاد القمة العربية الأخيرة التي انعقدت في نهايات "مارس" الماضي في "سِرْت" في الجماهيرية الليبية وكان قصده الواضح أن يعزز القناعة لدى محمود أحمدي نجاد بأن العراق ليس عربياً وأنه رئيس الدولة العراقية وليس رئيس دولة العراق العربية، وأن انحياز هذه الدولة إيراني وليس عربيا وذلك رغم أن هوشيار زيباري خال الزعيم الكردي مسعود البارزاني وابن العشيرة الكردستانية المرموقة هو الذي مثَّل العـراق في هذه القمة العربية باعتباره وزير خارجية الجمهورية العراقية. ما كان جلال الطالباني مضطراً لا الى لعبة زيارة طهران خلال انعقاد قمة "سِرْت" العربية ولا الى لعبة التسرُّع في انحياز الكتلة البرلمانية الكردستانية إلى الائتلاف الشيعي فهو لم يعد ممثلاً لحزبٍ جاء كانشقاق في الحركة الوطنية الكردية بقيادة رائدها وزعيمها ومؤسسها مصطفى البارزاني وهو يعرف أن شركاءه في التجمع الكردي لا يوافقونه الرأي وهُمْ يختلفون معه في أمور كثيرة، من بينها عدم زجِّ شعبهم في هذا الصراع الإقليمي المحْتدم الذي أدخل الإيرانيون المنطقة فيه انطلاقاً من حسابات قديمة عنوانها الدور الذي لعبته الإمبراطورية الفارسية في هذه المنطقة. إن مصلحة الأكراد، والمقصود أكراد العراق، هي أنه إذا كان لابد من الانحياز فلينحازوا إلى العرب السنة فهؤلاء هم جوارهم الجغرافي الذي لهم معه مشاكل حدودية كثيرة، وهؤلاء هم البوابة الكردية نحو المنطقة العربية والمفترض أن جلال الطالباني يذكر أنه عندما كان يتجه إلى القاهرة ممثلاً للملا مصطفى البارزاني كان عليه أن يمرَّ بدمشق وأن يتوقف في بيروت وأن يتصل بعمَّان واليوم هو البارحة وما أشبه اليوم بالبارحة... يا مام جلال... أليْس كذلك؟! أوردها سَعْدٌ وسعدٌ مُشْتمِلْ ما هكذا تُورد يا سعدُ الإبلْ