الشاعر لا يمكن أن يتسلق حبال السياسة، ولا أن يرتدي جلبابها، هذه قناعة لدي قد تصل إلى درجة الإيمان!

Ad

الشعراء الذين غامروا وخاضوا في بحر السياسة وُجدت هياكلهم العظيمة مبعثرة على رمال الشواطئ، بعد أن شرب البحر حبرهم، وأكلت الأسماك أوراقهم، وأصبحت أجسادهم لقمة سائغة للحيتان!

وشعراء آخرون تصوروا أنهم أكثر ذكاء فحاولوا الإمساك بزمام الشعر بيد، وزمام السياسة باليد الأخرى ليقودوا عربة الحياة عبر الدروب الوعرة، وكانت النتيجة مأساوية غالبا، فقد انقلبت بهم العربة وداستهم الجياد، ودكت أعناقهم حوافرها، وخسروا الاثنين معا: الشعر والسياسة وفوقهما حيواتهم!

بقدر ما يقترب الشاعر من السياسة بقدر ما يبتعد عن الشعر.

قد يجد الشاعر نفسه مجبرا في خضم الهموم السياسية، بحكم أنه فرد من أفراد مجتمعه يؤثر ويتأثر بكل ما يطرأ على هذا المجتمع من أحداث، إلا أن الأيديولوجيا السياسية قد تصادر روحه وتخطف قلمه من بين أصابعه إذا ما أغرته بدفء المأوى وحسن المأكل.

إلا أن أكثر العلاقات متعة وثراء تلك التي تجمع الشاعر بالسياسي، فهذه العلاقة مربكة ومتعبة ومدهشة وديناميكية، ومليئة بالشد والجذب، والمخاتلة من طرف والتمرد من الطرف الآخر.

السياسي تشكل من طينة لا تشبه تلك التي تشكل منها الشاعر.

السياسي يجيد فن الحياة

الشاعر يجيد فن الموت

السياسي زهرة عباد شمس

الشاعر زهرة ملكة الليل

السياسي يفتش عن الممكن

الشاعر يبحث عن المستحيل

السياسي شقي

الشاعر تقي

السياسي يحاول تغيير الصورة

الشاعر يرغب في فلترتها

السياسي يحترف دور النار

الشاعر يهوى دور الفَراشة

لذا تكون العلاقة بين الاثنين غاية في الفنتازيا الممتعة، فالسياسي يحاول بشتى الطرق رسم أفق لأجنحة الشاعر، بينما يحاول الشاعر خلق أجنحة لأفق السياسي!

غالبا ما يعتبر السياسي أن الشاعر لا يخلو من الحماقة، وغالبا ما يعتبر الشاعر أن السياسي لا يخلو من الانتهازية.

يفكر السياسي في أن الشاعر سيغدو أجمل لو تخلى عن الكثير من طيشه،

ويفكر الشاعر في أن السياسي سيبدو أكثر صدقا لو تخلى عن الكثير من جُبنه!

موت الشاعر الذي يعتبره السياسي ليس الا موتا مجانيا، هو نفسه الموت الذي يستخدمه في تنظيراته السياسية للدلالة على عظم التضحية وفدائية من آمن بالمعتقدات التي يؤمن بها!

الشاعر يُعجب بطمأنينة السياسي للإجابات غير المطمئنة، والسياسي تشده أسئلة الشاعر التي لا أجوبة يقينية لها.

السياسي والشاعر كلاهما يمجدان الحياة، ولكن كل بطريقته الخاصة.

أمام هذه المفارقات يصعب على الشاعر أن يمتهن السياسة، أو أن يخوض غمارها.

يصعب الجمع بين ماء الشعر وجمر السياسة في كف واحدة دون أن يطفئ أحدهما الآخر، أو أن يسلبه جوهر جماله.

ويصعب وضع قدم في خاصرة القمر، بينما الأخرى على صدر الأرض، لذا فإن الشعراء الذين «تشعبطوا» بأتوبيس السياسة، إما قتلتهم السياسة أو قتلوا الشعر.