الشيخ جابر الخالد الصباح... وبصدق أقولها... كنت من المتفائلين جدا حين تولى هذا الرجل حمل حقيبة وزارة الداخلية، حيث بنيت تفاؤلي على التصريحات والمواقف الأولى له حين تولى منصبه بالإضافة إلى لقاء أو اثنين جمعاني وإياه، لمست فيهما منه كثيرا من الإيجابية والشفافية، لكن اليوم، تبخر عندي ذلك الرصيد الإيجابي، ولا أود القول إن رصيدا قاتما من السلبية قد حل محله، وذلك بسبب حزمة من التصريحات والمواقف غير الموفقة التي ارتبطت به.

Ad

إلا أنني أحيانا أشعر بأن كثيرا مما اقترفه الشيخ جابر الخالد من أخطاء أو وقع فيه من مطبات أو فلت منه من تصريحات، لا يرجع إلى سوء طوية في نفسه، بقدر ما يرجع إلى سوء تقدير وقلة توفيق وخيبة حظ، ناهيك عن كونه مسؤولا، ومساءلا بطبيعة الحال، عن كل التصريحات الخرقاء والتصرفات الهوجاء لعشرات الضباط المسؤولين في وزارته، ممن يتخفى كثير منهم غالبا خلف مسمى «مصدر أمني رفيع المستوى، رفض الكشف عن اسمه» عند التصريح لوسائل الإعلام، مما جعل من موقف الوزير أكثر صعوبة!

على كل، لست في وارد سرد أمثلة لتلك التصريحات والمواقف الغريبة، ولن أقول التعيسة، التي صدرت سواء من وزير الداخلية أو من ضباطه، فلا حاجة اليوم لهذا، فالتاريخ ما عاد سجل الزمن، بل «الإنترنت» هي اليوم سجل الزمن وأم التاريخ وأبوه بل كل أقربائه من الدرجة الأولى والثانية حتى العاشرة، ومجرد كبسة أو اثنتين على أنف العم «غوغل» كفيلة بأن تحضر كل ما نريد وما لا نريد من حكايات وزير الداخلية وأتباعه، لكنني، وما دمنا ذكرنا الإنترنت، سأتوقف عند الحكاية الأخيرة من حكاياتهم.

على ذمة خدمة «كويت نيوز» الإلكترونية، وعلى لسان مساعد مدير إدارة مكافحة الجرائم الإلكترونية الرائد يوسف الحبيب، وذلك من خلال لقاء تلفزيوني في برنامج «تو الليل» على قناة الوطن، فإن وزارة الداخلية تسعى إلى فرض رقابة على مراسلات جهاز «البلاك بيري» المحمول أو ما يسمى بين الناس «بي بي»، وأنها بصدد إيجاد آلية لفرض الرقابة على الخدمة أو السعي إلى وقفها إذا لم يتم التوصل لهذه الآلية.

هذا التصريح الذي نُشر وانتشر بين الناس هكذا، هو تصريح «أمني/شاويشي/عسكري» باقتدار، ومعروف أن التصريحات الأمنية في كل بلدان الدنيا هي تصريحات عنيفة قاسية، لا تراعي أي حساسيات سياسية ولا تصاغ بشكل إعلامي مدروس، لأنها تنتج من عقول لا ترى إلا مشهد أبطاله من الشرطة والمجرمين، فقط لا غير!

لا حاجة لي لأن أسأل، فأنا أعلم أن خدمة التراسل عبر «البي بي» هي من الأصعب تقنيا للمراقبة وذلك لاعتمادها على تشفير ثنائي معقد للغاية، ولذلك أستطيع أن أستنتج أن الرائد الحبيب كان يقصد أنهم يواجهون صعوبات عند حاجتهم لمراقبة الهواتف المطلوبة أمنيا، وسأفترض أنهم لا يفعلون ذلك إلا وفقا للقوانين وبإذن من النيابة العامة، لكنه صرح بطريقة وكأنهم يسعون إلى فرض رقابة دائمة على كل هواتف «البي بي»، هكذا بشكل مفتوح، فأتى تصريحه خاليا من كل حصافة سياسية أو حتى ذكاء اجتماعي!

لا يمكن أن تجهل وزارة الداخلية أن حرية التراسل بين المواطنين وسريتها مكفولة دستوريا، وأنه لا يحق لها على الإطلاق تجاوز هذا الأمر إلا بسند قانوني صحيح، ولا يحق لأي طرف، سواء وزارة المواصلات أو شركات الاتصالات إعانتها على مثل هذا المسعى، ولو حصل ذلك، فالكل من هؤلاء سيكون متواطئا في جريمة كبرى في حق الشعب، وسيستلزم الأمر حسابا برلمانيا/شعبيا عسيرا تجاه كل هذه الجهات.

وأما من الناحية الأخرى، وفي حال لم تتمكن وزارة الداخلية من إيجاد الوسيلة اللازمة لمراقبة تراسلات «البي بي»، عند الحاجة الأمنية «وفقا للقانون» مع التشديد الشديد على هذه الجزئية، وهو ما أظنه سيكون لأن دولة خليجية شقيقة كبرى أعياها البحث عن هذه التقنية ولم تجد فاستسلمت في النهاية، فسيكون من الغباء كل الغباء، السعي إلى منع استخدام هذه الجهاز في الكويت، لأنه إن كانت الرغبة حقا هي التصدي للمجرمين، فهناك عشرات الوسائل التقنية بأيدي هؤلاء، ولن يتوقف الأمر عند «البي بي».

افترضت في مقالي حسن النية، وأن تصريح الرائد يوسف الحبيب ما هو إلا تصريح غير موفق الصياغة، نشره بشكل غير صحيح شوه مقاصده الحقيقية، لأني لا أود أن أفترض، ولو للحظة واحدة، أن نظامنا يسير فعلا نحو «عسكرة» الكويت وتحويلها إلى دولة شبيهة بدول المعسكر الشيوعي التي انقرضت، لأن في هذا، لو كان حقا، ستكون بداية النهاية للكويت التي نعرف!

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة