آمال: هم عسل...
بطانتهم السبب


نشر في 25-09-2009
آخر تحديث 25-09-2009 | 00:00
 محمد الوشيحي وجهه لا يزال محفوظاً في ذاكرتي، تغطيه بعض الأتربة، وكان يدرسنا اللغة العربية. يقول: لو أن مسلماً واحداً قابلَ عشرةً من اليهود لولّوا الأدبار هاربين. لماذا؟ لأنهم يهود. جبناء. نحن الشجعان. وناسة.

تحك رأسك وتسأل: «لكنهم يا أستاذ أقل منا مليون مرة ومع ذا تمشي سكّينهم في زبدتنا بسلاسة، تتمايل على الجنبين، سكرانة نشوانة، وجنودهم يتفننون في تهزيئنا، فكيف تدّعون أننا الأشجع»؟ يمسح الأستاذ لحيته بثقة ولا ثقة تمساح وينثر كلمات بالكاد ينتزعها من بين ضحكاته المتغطرسة: «استغفر الله العلي العظيم، ألا تؤمن يا ابني بما جاء في ديننا من أن حرباً كاسحة ماسحة ستنشب بيننا وبينهم، وأن المسلمين سيصبحون خيرة أهل الأرض، وسينصرنا الشجر في حربنا فيدلنا على من يختبئ خلفه من اليهود، وسيدعمنا الحجر، وستهب الملائكة لنجدتنا»؟ فتجيبه بسؤال: «ومتى سيكون ذلك؟ ثم لماذا يفزع لنا الحجر والشجر والملائكة ونحن أكثر من اليهود وأخيَر»؟! ينظر إليك «الأستاذ» شزراً ويغمغم بكلام لا تسمعه لكنك تفهمه، فالشتيمة لا تُنطق فقط، ثم يوجه حديثه إليك بغضب ليوقف سيل أسئلتك: «سننتصر متى ما عاد المسلمون إلى صحيح الدين». فتتشبث به قبل أن يهرب: «ومتى سيعود المسلمون إلى صحيح الدين، هل تقصد عندما يتبرع المشايخ بثرواتهم ويعودون زهّاداً عبّاداً، وتصغر أثداؤهم التي أثارت غيرة أبقار الدنمارك»؟ فيجيبك بزجر مخضب بضجر: «أنت تكره أهل الدين، لكن متى ما صلحت بطانة ولاة الأمور صلحت الأمور».

يقولها ويغادر الحصة وهو ينظر إلى ساعته، وكأن سفينة الفضاء أبوللو باركة أمام باب الفصل تنتظره يمتطيها ويحلّق بها إلى الأفلاك، فتلتفت أنت إلى زملائك: لماذا اللف والدوران، لماذا لا يقول المسلمون اللهم أصلح ولاة أمورنا الفاسدين؟ ليش حركات النص كم واللعب بالبيضة والحجر؟ قال «اللهم أصلح بطانة ولاة أمورنا» قال.

عليكم من الله ما تستحقون يا أستاذ أنت وأمثالك، هسترتم بنا وبشبّاننا فاستوليتم على عقولهم، وصدقوكم أن سبب خيبة المسلمين هو البطانة لا الحكام، وأصبحتم أنتم القدوة وأنتم النجوم، يحفظون أسماء كل من يفهم في حيض النساء ومرقة لحم الخنزير وبقية التوافه، ويجهلون أسماء علماء الرياضيات والميكانيكا والفيزياء والأدب. ولو أن عالمة فيزياء كويتية عقدت مؤتمراً صحافياً في الوقت الذي يعقد فيه مشعوذ منكم مؤتمراً لتزاحم الشباب حوله وتركوا صاحبتنا الفيزيائية تناقش الجدران والأسقف عن زاوية سقوط أشعة الشمس وكيفية الاستفادة منها. ولو دخل أحدهم –مخطئاً- قاعة مؤتمرها لسألها: اتركي كل هذا فهو لا يهم، ألا تعلمين أن صوتك عورة؟

وكنت في مكان عام فاستوقفني شاب تبدو على هيئته الثقافة والرزانة. سألني: ما الذي تريده من مقالاتك الهجومية الدائمة على الحكومة؟ قلت: أريدها أن تغار من حكومات فنلندا والنرويج والنمسا وتفعل مثلها، فكل شيء ينقصنا رغم أن لا شيء ينقصنا. فارتفع حاجباه دهشة وقال بقرف وكأنه أكل شيئاً مرّاً يوشك أن يبصقه: أعوذ بالله، تقارننا بهؤلاء النصارى؟ فرفعت عينيّ إلى السماء متمتماً: اللهم أسعفنا في هذه اللحظة بخنزير اختلطت إنفلونزاه بالإيدز يا رب العالمين، فيقبّل هذا المعتوه على شفاهه قبلة فرنسية. 

back to top