على الرغم من كل هذا الحديث المتواتر عن الفساد المالي والإداري والأخلاقي الذي تعترف به الحكومة علنا، ويتحدث عنه أعضاء مجلس الأمة بكثرة وتتناوله الصحافة بشكل مستمر، لا بل يتداوله الناس في أحاديثهم اليومية، هل يعقل ألا يقال أي مسؤول حكومي أو يحاكم علناً بتهم الفساد؟ وهل يعقل أنه ليس هنالك مسؤول عمومي ينال جزاءه من جراء ضلوعه في عمليات الفساد والإفساد التي جعلت موقع الدولة يتراجع في التقرير السنوي لمؤشرات مدركات الفساد الصادر عن منظمة الشفافية العالمية؟

Ad

حصل الاحتلال العراقي الغاشم، الذي تمر هذه الأيام ذكراه الأليمة التاسعة عشرة، لبلادنا، وسقطت الدولة خلال سويعات قليلة، ورغم ذلك فإننا لم نسمع أن هناك من المسؤولين الحكوميين من تحمل أو حمل مسؤولية سقوط الدولة رغم بشاعة ما حصل وفداحة ما ترتب عليه من مآسٍ!

كان هناك اختلاسات جسيمة وبشعة حصلت في أثناء الاحتلال وبعده في الاستثمارات الخارجية، وفي شركة ناقلات النفط، انتهت محاكمة بعض من ارتكبوها، بعد طول انتظار، إلى عدم كفاية الأدلة أو عدم جدية البلاغات المقدمة من الحكومة!

حصلت تجاوزات مالية وإدارية في عقود نفطية مليارية مثل عقود المصفاة الرابعة ومشروع «الداوكيميكال»، فضلا عما يثار حاليا عن وجود شبهات تجاوزات مالية وعمولات مشبوهة في بعض العقود النفطية الجديدة أشارت إلى بعضها تقارير ديوان المحاسبة، وتطرق لها بعض النواب، ورغم ذلك فإن المسؤولية لاتزال عائمة، فلم يُقدَّم أي مسؤول للمحاكمة أو يُعزل من عمله نتيجة لتحميله مسؤولية هذه التجاوزات!

هناك فساد «ما تشيله البعارين» مستشرٍ في البلدية، وفي عدد آخر من وزارات الدولة، ورغم ذلك لم نسمع أن مسؤولا عمومياً قد أقيل أو حمل المسؤولية.

حصلت تجاوزات مالية بشعة في اتحاد الجمعيات التعاونية وبعض الجمعيات تم على إثرها حل مجالس إداراتها، لكن، رغم ذلك، لم نرَ أن مسؤولا فيها قد أحيل بشكل جدي إلى المحاكمة ونال جزاءه.

شاهدنا ولانزال عمالة هامشية كثيرة العدد سائبة في الشوارع تتظاهر أحيانا للمطالبة بحقوقها الإنسانية، كما تحدث النواب والمهتمون بالشأن العام وحقوق الإنسان عن تجارة إقامات أي «تجارة بشر» تتم بطرق منافية للقيم والأخلاق الإنسانية تنشر الصحف اليومية بعض تفاصيلها وتدينها منظمات حقوق الإنسان في العالم باستمرار، ورغم ذلك لا نجد أن أحداً مسؤولا قدم للمحاكمة ونال جزاءه.

نسمع ونقرأ ونرى عمليات إثراء غير مشروع نتيجة الالتفاف على قوانين الدولة والتلاعب في تطبيق اللوائح والنظم المالية واستغلال الوظيفة العامة، ورغم ذلك فإن صور الحرامية والفاسدين الذين قاموا بذلك تتصدر صفحات الصحف اليومية، لا بل يتبوءون المناصب العليا، ويتم التجديد لهم المرة تلو الأخرى رغم سوء أدائهم الإداري أيضا، وهو ما يذكرنا بالقصيدة الساخرة «احترامي للحرامي» للأمير عبدالرحمن بن مساعد بالذات حين يقول:

احترامي.. للحرامي..

صاحب المجد العصامي..

يسرق بهمة دؤوبة..

يكدح ويملي جيوبه..

يعرق ويرجي المثوبة..

ما يخاف من العقوبة..

صار في الصف الأمامي..

احترامي.. للحرامي!!

وغير ذلك الكثير الكثير، فهل يعقل أن التاريخ، رغم كل هذه التجاوزات المالية والإدارية وعمليات التنفيع والإثراء غير المشروع، لم يسجل حتى الآن أن لدينا مسؤولا واحدا فقط قد قدم للمحاكمة وأدين بتهمة الفساد؟!!

قد يقول قائل إن بعض قضايا الفساد تحال عادة إلى النيابة العامة، ولكن كما رأينا عبر السنين فإنه لم ينتج عن هذه الإحالات أي إدانة لمسؤول حكومي لأنها بلاغات غير جدية، تقدم للنيابة وهي غير مكتملة الأركان، إذ لا يرفق معها مستندات وافية تتضمن توجيه تهم محددة لأشخاص معينين لذلك تنتهي عادة إلى الحفظ لعدم كفاية الأدلة.

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء