اختبار الغرفة
من المستحيل أن يكون قانون غرفة التجارة والصناعة المقترح قد كُتب لخدمة مصالح أعضائها من التجار، وهذا الاستنتاج ليس نابعاً من الدخول في نوايا مقدمي الاقتراح ومؤيديه، بل بقراءة نصه الذي عرَّف الغرفة في مادته الثانية بأنها «مؤسسة خاصة ذات نفع عام»، ولكنه وضعها تحت إشراف وزير التجارة والصناعة، فإذا كان من مهام الغرفة البدهية تمثيل التجار- صغيرهم وكبيرهم- لتحقيق مطالبهم وحل مشاكلهم الناتجة عن سياسات وزارة التجارة، فكيف يراد للغرفة أن تكون نداً للوزير بينما ستوضع تحت إشرافه؟!
المقترح يسلب الغرفة استقلاليتها ويحشر الدولة في العلاقة بين الغرفة وأعضائها عبر تغلغله بلائحتها الداخلية، وتكمن خطورته في أنه يسن سابقة لتشريعات قد تطول مؤسسات المجتمع المدني الأخرى لاحقاً، ذلك أن تأسيس تلك المؤسسات يجب أن يخضع لقانون عام منسجم مع حق تكوين الجمعيات والنقابات الذي كفله الدستور، ويترك تنظيمها الداخلي لأعضائها من دون تدخل الحكومة والبرلمان، لا أن يتم تفصيل قانون لكل مؤسسة حسب المزاج السياسي الراهن. الجانب الأكثر إثارة في المقترح هو أنه سيكون من أهم الاختبارات التي تواجهها الغرفة في مسيرتها، إذ من المتوقع أن يحظى المقترح بتأييد لا يستهان به، خصوصاً أن مقدميه الخمسة يشكلون توليفة تمثل توجهات نيابية عدة وليس بينهم أي من نواب الدائرتين الرابعة والخامسة المتوقع تأييد معظمهم المقترح أيضاً، لذلك من المؤكد أن الغرفة ستعمل جاهدة على إسقاطه، وذلك سيكشف مدى ما تبقى من تأثير لها في الحكومة والشارع، ففي حال إقراره سيكون المسمار في نعش الغرفة، أما في حال إسقاطه فسيعطي التجار دفعة معنوية لاستعادة دورهم القيادي، وبذلك سيكون مقدمو المقترح، ذوو المقصد الحسن منهم وغيرهم من الناقمين على التجار، قد أسدوا خدمة للتجار لم تكن في حسبانهم.وسياسياً سيكشف المقترح أين تقف السلطة في علاقتها مع التجار، فهي إن تعاملت معه بسلبية فسترسخ توجهاتها التاريخية منذ اكتشاف النفط بالتخلي عنهم وأحياناً محاربتهم، أما إذا صفت في جانب الغرفة فذلك سيعني أن السلطة بدأت أخيراً بإعادة تعريف موقعها في موازين قوى المجتمع في الواقع السياسي الجديد إثر انتقال المعارضة من التجار والتيار الوطني إلى القوى الشعبوية الناشئة، وهو ما سيمثل نقطة تحول تاريخية جديدة في التطور السياسي في الكويت.وأخيراً، تعامل الحكومة مع المقترح سيحدد أسلوب تعاملها مع خطة التنمية ورسالتها إلى التجار المتوقع منهم المساهمة في الخطة، فوقوفها ضد المقترح في سبيل الحفاظ على استقلالية الغرفة سيعطي التجار والمستثمرين، الوطنيين منهم والأجانب، شعوراً بالثقة في أن الحكومة ملتزمة بإشراكهم في التنمية، أما إذا اتخذت موقفاً سلبياً فإن الرسالة هي أن الحكومة قابلة للتخلي عنهم في أي لحظة انحناءً لضغوطات النواب السياسية ومزاج الشارع الشعبوي.