نيكسون في الصين موسيقيا

نشر في 12-11-2009
آخر تحديث 12-11-2009 | 00:00
 فوزي كريم في مطلع القرن السابع عشر الإيطالي، كان الفن والموسيقى يتطلعان إلى التراث الأسطوري اليوناني مصدراً للإلهام في ما يتصل بدراما الأوبرا، وموضوع اللوحة، ثم سرعان ما توسعا لحكايات «الكتاب المقدس»، وكلا المصدرين بالغ الثراء في حقل القصص، بحيث بقيا في مركز الصدارة في مرحلة «الباروك»، والمرحلة «الكلاسيكية»، ولكن مع المرحلة «الرومانتيكية» انفرط هذا المركز. ودخلت المخيلة الشعرية لواضعي القصص حقلَ الإنسان الأرضي، ومشاغله، ومشاكله، ولعل أوبرا «فيديليو» لبيتهوفن، ولوحات غويا خير دليل على هذه النزعة الإنسانية.

في القرن العشرين ظلت الأوبرا تعتمد، في معالجاتها الإنسانية، على النص الأدبي، روائياً، أو مسرحياً، ولكنها لم تقرب الحدثَ السياسي الآني، إلا على يد المؤلف الموسيقي الأميركي المعاصر جون آدم (مواليد 1947)، ولعل أكثر أعماله إثارة هو هذا الذي أصغي إليه، وأرغب في التحدث عنه:Nixon in China (صدر عن دار Naxos).

حدثَ في 21 شباط عام 1972، في غمرةِ «الحرب الباردة» بين المعسكر الغربي الرأسمالي والمعسكر الشرقي الشيوعي، أن قرّر الرئيس الأميركي نيكسون، بمشورة الداهية كيسنجر، زيارة الصين، ومقابلة الرئيس ماو. حدث من أحداث السياسة الكثيرة، التي أصبحت عابرة. جون آدم، ذو النزعة الإنسانية المتميزة في كل أعماله، اتفق مع ألِس غودمان على كتابة نص شعري (لِبريتو)، مستوحى من هذه الزيارة. وكانت تعنيه، كما يبدو من الأوبرا، شخوص الحدث البارزة: نيكسون المتواضع، ولكن الحذر مما يجري على مسرح الأحداث. زوجته الطيبة. كيسنجر الذي يظل شخصية غير محببة. ماو القابع في الذاكرة، وفي الشاغل الفلسفي. زوجته الثورية العنيفة أبداً. شو إن لاي...

سعتْ هذه الأوبرا سعيَ الأوبرا التقليدية في عناصر عدة، مثل اعتماد الأغنية «الآرية»، واعتماد الكورس في مطلع العمل، ثم تقديم البطل الأساسي مع أغنيته التي تشكل مفتتحاً، وكذلك سعت إلى سبر أغوار الشخوص التاريخية المعروفة. النص الكلامي انتفع مباشرة من وقائع الأخبار السياسية التي حدثت، عند زيارة نيكسون الشهيرة، ولكنها ذهبت أبعد من هذه الأحداث لتشمل أفقاً أوسع من الممكنات والفهم، لقد جعلت من خبر من أخبار الساعة حدثاً ليس زمنياً... وهذا الجانب الداخلي وحده الذي يعطي للموسيقى أفقاً للتعبير.

المعروف أن جون آدم يمثل أحد أقطاب تيار «مينيمالزم» الموسيقي، الذي بدأ في الستينيات، وهو توجه يعتمد في بناء النص الموسيقي على التكرار المتلاحق لأصغر الوحدات الموسيقية، رغبةً في بلوغ حالة تأثير تشبه تأثير التنويم المغناطيسي. وكان هذا التوجه واضحاً في الفصول الثلاثة من هذه الأوبرا، التي تمتد لساعتين ونصف الساعة.

تبدأ الأوبرا في مطار بكين، مع نشيد «الجيش الأحمر» العسكري، الذي يعود إلى 1930. ينزل نيكسون وكيسنجر من الطائرة، مع شو إن لاي في استقبالهم. يبدأ نيكسون الأماني بعلاقات سلام دائم. يزور نيكسون وكيسنجر فيما بعد الرئيس ماو في مكتبه. نيكسون يبادر لحديث السلام بين البلدين، في حين يرغب ماو في الحديث الفلسفي، وبصورة ملغزة. الزيارة لم تكن موفقة تماماً، وماو الشيخ بدا منهكاً.

في الفصل الثاني تنشغل «بات» زوجة نيكسون بزيارة معالم الصين الحديثة. الأدلاء الصينيون يلمّحون بأسى للجانب المعتم من الحياة الصينية، التي تتخفى وراء المظهر المزوَّق. هنا تغني «بات» آمالها المستقبلية. في تلك الليلة يحضر نيكسون عرض أوبرا ألفت من قبل السيدة ماو بعنوان «عزلة النساء». العرضُ يدور حول فلاحين مقموعين من قبل ملاك الأرض، وينقذون على يد امرأة بطلة من الجيش الأحمر. سرعان ما تتلبس الشخوصُ الرئيسية أدوارَ دراما الفلاحين: زوجة نيكسون تدافع عن الضعفاء. كيسنجر يقف في صف مالك الأرض الوحشي، في حين تحاول زوجة ماو الدفاع عن الفلاحين بشكل مستميت، بحيث تصبح أكثر وحشية من مالك الأرض. أخيرا تضطرم نار الفتنة على خشبة المسرح بين زوجة ماو وشو إن لاي، حتى تتفجر ملامح الثورة الثقافية، سيئة الصيت.

في الفصل الأخير نتبين أن كل الذي استعرضه المسؤولون لم يكن إلا سباق كلمات للتسويق الإعلامي. الشخصيات الرئيسية تستعيد ماضي صراعاتها المهددة المنذرة. 

back to top