الحرية أولاً
قد نتفهَّم التدرج التشريعي الذي جاء بموجبه قانون المطبوعات الحالي والذي فتح المجال لحرية إصدار الصحف، وجعل بالإمكان التقاضي بخصوص امتيازات الصحف، ولكن ما لا نستطيع أن نفهمه أن يكون التدرج التشريعي هو للوراء باللائحة الجديدة للمرئي والمسموع.
فهل بالإمكان مثلاً أن يعطينا الجهبذ الألمعي العبقري تعريفاً للوحدة الوطنية حتى نعرفه وندركه، وبالتالي نتجنَّب المساس بها؟ وهل بالإمكان أن يفهمنا من وضع "حظر نشر أو بث ما من شأنه إهانة أو تحقير مجلسي الأمة والوزراء" كأحد الممنوعات ماذا تعني تلك العبارة؟ فهل لو أبدينا رأياً في مبنى مجلس الأمة، وقلنا مثلا إن المباني الإضافية التي تبنى هذه الأيام هي مبان بشعة، فهل يعتبر ذلك مثلاً إهانة لمجلس الأمة؟ أو إن قلنا إن جسر المشاة الممتد من مجلس الوزراء يُعد بشاعة معمارية، فهل يُعد ذلك تحقيراً لمجلس الوزراء أدام الله ظلّه؟ في الفترة الممتدة من 1986 حتى ديسمبر 1991 عاشت الكويت مثلها مثل جيرانها حالة استلاب كامل للحريات، تم فيها فرض الرقابة المسبقة على الصحافة، وتحوّلت أجهزة الإعلام بموجبها إلى شيء تافه لا قيمة له، فالحكومة والرقيب هما اللذان يقرران ما يُنشر، ويتصرفان كما يشاءان، فلم نجن من وراء ذلك إلا الوبال، ولم نحافظ على وحدة وطنية، ولم يتم احترام أحد، بل تعرض الوطن كله ووحدته التي يتشدقون بها للتحقير والإهانة. من غير المقبول أن يتم استغلال الهبّة والفزعة الوطنية، إن وجدت لتحويلها إلى أدوات قمع يتفق فيها النواب والحكومة على ضرب حرية التعبير، ومن غير المقبول، أن يتم استخدام مبادئ سامية للنفاذ من خلالها وتحجيم حركة المجتمع، ومن غير المفهوم الحديث عن دستور وديمقراطية دون حرية مصونة، والحرية هنا تعني بالدرجة الأولى استعداد الجميع لتقبل الرأي الآخر، والابتعاد عن استخدام أسلحة عفى عليها الزمن لتبرير سيادة الرأي الواحد، لنعود إلى جورج أورويل ورائعته "مزرعة الحيوانات". فهي النموذج الذي يبدو أن حكومتنا الرشيدة والكثير من نوابنا الأفاضل يفضلونه، وهو النموذج الذي أصبح خارج دائرة التاريخ وبالتأكيد يخرجنا من المستقبل جملة وتفصيلاً. كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة