احتضن الفندق الشهير- أتلانتس- درة نخلة جميرة أكثر من ألفي إعلامي وكاتب ومثقف، من 12 إلى 13 هذا الشهر، توافدوا من مختلف الدول إلى هذا الفندق الساحر، الذي أحيا اسم أسطورة القارة المفقودة التي ينسب إليها البعض بناء المعجزات الهندسية المعمارية الخالدة كالأهرامات، جاؤوا جميعاً للمشاركة في "منتدى الإعلام العربي" في دورته التاسعة، والذي ينظمه "نادي دبي للصحافة" على امتداد 9 سنوات.

Ad

 هذا الحدث الثقافي والإعلامي الضخم حدث مشهور، يتجدد سنوياً يترقبه كل الكاتبين بالضاد آملين المشاركة في فعالياته والحصول على جوائزه- زادت الجوائز لتشمل 12 مجالاً وبلغ عدد الحاصلين عليها 120 صحافياً- وراء هذا الحدث فريق نشط وقيادات ذات كفاءة عالية، تسعى إلى الارتقاء بالعمل الإعلامي لمواجهة التحديات المعاصرة.

 يشهد الفندق هذا الحشد الإعلامي ولعلنا نتذكر افتتاح الدورة الثامنة، العام الماضي في نفس هذا الفندق، كانت هناك حملة مغرضة استهدفت تشويه تجربة دبي التنموية والتشكيك في مشاريعها الاستراتيجية، حيث جسد رسالة إعلامية ذكية أكدت سلامة الرؤية الاستراتيجية لدبي، ومتانة اقتصادها وقدراته على احتواء تداعيات الأزمة المالية العالمية، ونجاحها في تجاوزها بأقل الخسائر.

 وجاءت هذه الدورة تأكيداً على سلامة النهج وصدق الرؤية، وها هو الفندق الذي يشكل صرحاً معمارياً بديعاً تهفو إليه الأفئدة من كل مكان، يرسخ هذه القناعة على مشهد من هذا الجمع الكبير، ويثبت أن دبي هي دبي بعبقرية قائدها، بحيويتها، وبتألقها بخطواتها الواثقة، تقود التغيير في المنطقة وتشكل النموذج الأنجح، وتسعى إلى التميز وتكافئ عليه، وتبهر العالم بإنجازاتها.

 لقد قيل كلام كثير في مشاريع دبي خصوصا مشروع نخلة جميرة وفندقها، لكن المشروع أنجز وأصبح مورداً استثمارياً، والفندق الذي كان حلما أضحى حقيقة واقعة وصار مقصداً سياحياً لا تنقطع عنه أفواج السياح، الجميع يحلمون بزيارة هذا الفندق للاستمتاع بأجوائه البهيجة، وإن حالفك الحظ ودخلت بهو الفندق انتابتك أحاسيس ومشاعر مبهجة، وأحاطتك مظاهر الجمال والإبداع والروائح العطرية المنعشة تملأ أرجاء البهو، وحول الفندق مساحات خضراء شاسعة تتخللها حديقة ألعاب مائية وملاعب وبرك سباحة، فمن لا يريد أن يصطحب أسرته وأولاده للتنعم بالإقامة في هذا الفندق؟!

 دبي هي دبي مهما كثر القيل والقال، وقد صرح الشيخ محمد للإعلاميين أن الأزمة التي هزت اقتصادات العالم شكلت لنا تحدياً ووقفة تأمل لإعادة ترتيب الأوراق والانطلاق من جديد، وهكذا يستخلص القائد ذو البصيرة الدرس المستفاد لتقوية العزم والمضي في المسيرة، وأشار سموه إلى نقطة بالغة الأهمية حين قال إن الإمارات تتميز ببنية تحتية كاملة لم تتأثر بالأزمة، وهي تصلح قاعدة صلبة لإعادة الانطلاقة برؤية وأفكار جديدة، والتحديات تقوي الواثقين بأنفسهم.

 اختار المنظمون لهذه الدورة عنوان "حراك الإعلام العربي: تعزيز المحتوى لتقوية الأداء" بهدف تعزيز قدرة الإعلام على كسب جمهور أوسع وتقوية الخطاب الإعلامي العربي مع العالم، وشملت الدورة مواضيع عديدة لا يتسع المجال لذكرها لكني معني بأبرزها كلمة "زويل"، إذ كان حضور العالم الدكتور أحمد زويل حدثاً بارزاً حظي بتقدير هائل من الشيخ محمد، ونال الإعجاب الكبير من الحضور، وأعطيت له الكلمة الافتتاحية، فأمتع الحضور بكلمات غاية في الروعة، علينا حسن قراءتها وتحليلها وترجمتها في إجراءات عملية إذا أردنا كسب المستقبل، فماذا قال زويل وكيف تحدث؟

 تحدث بأسلوب عقلاني بسيط، وبلهجة هادئة لكنها جذابة، لم ينفعل ويصرخ كعادة بعض خطبائنا لكنه استحوذ على مشاعرنا وعقولنا، فاستمعنا إليه بشغف، وكلمته كانت عن "بناء المستقبل: دور العلم والإعلام"، حيث حدد هذا الدور في ثلاثة ركائز:

1- طبيعة التغيير في المجتمعات: التغيير نوعان: تدريجي وفجائي، وهما مرتبطان بكل العلوم والتحركات البشرية، والحضارات تستغرق وقتاً طويلاً في الصعود، لكنها عندما تنهار فإنها تنهار بشكل سريع مثل الاتحاد السوفييتي وضرب أمثلة بالمجتمعات التي تضم أفراداً، كل منهم يعمل بشكل منفرد، والمجتمعات التي بين أفرادها ترابط وتماسك، حيث يمكن للأخيرة فعل المستحيل في وقت قصير في ظل وجود رؤية واضحة مثل ما حدث في دبي، لكنه طالب بتحصين هذه التجربة عبر تعزيز التعليم والإعلام والخطط الصحيحة، وأشار إلى أن التغيير لا يمكن أن يكون تدريجياً في مجتمعات مترابطة مثل المجتمعات العربية، متوقعاً أن التغيير باتجاه إعلام متحرر من القيود في تلك المجتمعات سيكون فجائياً، موضحاً أنه كلما زادت درجة الترابط بين أفراد المجتمع وغابت الرؤية والتخطيط السياسي المسلحان بالتنمية العلمية، انحصرت تلك المجتمعات واندثرت بسرعة.

2- نوعية المتلقي للمحتوى الإعلامي: أوضح زويل أن هناك ضعفاً كبيراً في التعليم، وتتراوح نسبة الأمية بين 30- 50% ونسبة 35% من الشعوب العربية لا تقرأ ولا تكتب، كما أن إنتاج الدول العربية من البحوث العلمية شبه معدوم مقارنة بالدول الأخرى، ويقل عن 1% عالمياً، إلى جانب وجود ثروة بشرية غير مستغلة، حيث إن 45% من 300 مليون عربي عمرهم يقل عن (14) عاماً، فيما تبلغ نسبة البطالة أكثر من 20%.

3- التحديات العصرية التي تواجه العرب: قال زويل: إن الإرادة السياسية والرؤية السياسية من أعلى مسؤول أو قائد هي التي تحدث التغيير المنشود في قطاعي العلم والإعلام، ولا بد من إحداث نهضة علمية للقيام بالتغيير، وطالب الإعلام بأن يسهم بشكل ايجابي في نشر التعليم من خلال خطط مدروسة من أرض الواقع، مؤكداً أنه في عصر التغيير لن يبقى على سدة الإعلام! لا الكاتب الجيد ولا المؤلف الجيد ولا المذيع الجيد، وأضاف أن التحديات العلمية والمعرفية أمامنا فاقت كل التصورات، ولم يعد يسمح لنا بالاستمرار في لعب دور المشتري للمخترعات دون أن نشارك في صناعتها، وضرب زويل أمثلة بالتطور الكبير في أميركا والدول المتقدمة في مجالات الفضاء والطب والطاقة وكيفية تحويل أجزاء من جلد الإنسان إلى خلايا جذعية تعالج الكثير من الأمراض.

 وقال: إن المنظومة العلاجية تغيرت ولم تعد العملية بناء مستشفيات، لكنها أصبحت تعتمد على شريحة تحوي كل بيانات المريض، يمكن للطبيب معرفة حالة المريض وهو في بيته، وفي مجال التطور الإعلامي هناك أكثر من ملياري شخص قادرون على النفاذ على الإنترنت، والثورة الجديدة حاصلة في أفلام الفيديوعلى الإنترنت، وسيكون لها التأثير في الفضائيات، ولام زويل التقليد الأعمى في الإعلام، مشيراً إلى دور "مزاج" الثقافات.

 وقال إن الإعلام سيتحول إلى "إعلام شخصي"، وإن هناك فرقاً بين المعلومة والمعرفة، فكل شخص يستطيع الحصول على المعلومات، ولكن كيف تصوغها معرفة وفكراً؟ هذه هي الصعوبة، وطالب زويل النظام السياسي العربي بأن يكون قادراً على التغيير لأنه من المستحيل في عصر السموات المفتوحة الاستمرار في سياسة الحجب والإغلاق والتعتيم، فقد أصبحت من مخلفات القرون المظلمة.

  وثمن زويل التطور الكبير في اتصالات الدول العربية، لكنه ركز على أن النقلة الكاملة إنما تكون عبر المشاركة في بناء القاعدة المعرفية، كما فعلت الصين وماليزيا، وانتقد زويل انقلاب القنوات الدينية التي تقدم فتاوى غير موثقة والاستخدام السافر للدين في شغل مساحات إعلامية فوق المعقول، كما طالب بتغيير المناهج- عامة- فهي لا تصلح لعصرنا ولتحقيق الذات والمشاركة الفاعلة مع العصر، وقال إن الإعلام العربي يهتم بنقل الخبر ولا يهتم بتحليله.

 ويبقى أن نعبر عن سعادتنا بحصول الدكتور عبدالله عمران على جائزة "شخصية العام الإعلامية" المجاهد الإعلامي الكبير، والذي وصفه سمو الشيخ محمد بأنه رائد في الإعلام الإماراتي والقومي، لقد كانت اللجنة المنظمة موفقة غاية التوفيق.

* كاتب قطري