استضفت منذ أشهر قليلة وقبيل حل مجلس الأمة السابق، الأخ فهيد الهيلم، رئيس المكتب السياسي للحركة السلفية في برنامج «خط العبدلي»، الذي كنت أقدمه على قناة «العدالة»، ومن ضمن مجريات الحوار غير الاعتيادي الذي دار، كان هناك سؤال حول النواب والقسم الذي يجب عليهم تأديته بحسب المادة (91) من الدستور في أول جلسة للبرلمان، فأخبرني الهيلم بأن كثيرا من النواب الإسلاميين إن لم يكن كلهم يلجؤون إلى إضافة بعض الكلمات على النص، إما بصوت عال أو منخفض، أو حتى في صدورهم، وكأنهم بذلك يضفون عليه شرعية دينية، وخلصنا أنا وهو إلى أن من الواجب على الإسلاميين نوابا وناشطين الوقوف وبشجاعة أمام نص القسم والنظر فيه وحسم مسألة شرعيته.

Ad

منذ أيام أقسم نواب البرلمان الجدد، وعادت «الحكاية» نفسها التي توقعناها أنا والهيلم في تلك الحلقة من «خط العبدلي» لتطل برأسها مجدداً، حيث أقسم النائب المحترم خالد السلطان بغير الصيغة الدستورية فارتفع الاحتجاج بطبيعة الحال، وعاد بعدها بساعات ليعيده بالصيغة الدستورية، إلا أنه أبى مرة أخرى إلا أن يضيف عليه لاحقة ليست منه، ليثور الاحتجاج من جديد حيث قال النائب الفاضل أحمد السعدون بأن الصيغة غير دستورية مرة أخرى ولذلك غير صحيحة.

القسم الدستوري يقول: (أقسم بالله العظيم أن أكون مخلصاً للوطن وللأمير، وأن أحترم الدستور وقوانين الدولة، وأذود عن حريات الشعب ومصالحه وأمواله، وأؤدي أعمالي بالأمانة والصدق)، وقد نظرت فيه ملياً بحثا عن المزعج الشرعي للإخوة النواب الإسلاميين الأفاضل، فعجزت!

بالنسبة لي، فلا أدري ما المشكلة في صيغة القسم، فالإخلاص للوطن والأمير لا يعني بأنك لن تكون مخلصا لربك ودينك، واحترام الدستور والقانون لا يعني بأنك لا تملك الحق في الاعتراض عليه وتغييره فالدستور نفسه كفل ذلك في مادته (174)، وحريات الشعب ومصالحه وأمواله يجب أن تصان وتحمى، وتأدية الأعمال بالأمانة والصدق هو أقل المطلوب من النائب!

لكنني، ولأجل هذا المقال، سأفترض بأن المشكلة تتمثل «فقط» في جزئية احترام الدستور والقوانين، وسأتساءل هل يعني هذا أن نوابنا الإسلاميين الكرام يرون في الدستور والقوانين ما يتناقض والشريعة؟ فإن كان ذلك حقا فلماذا هذا التهافت المحموم بل «الاستذباح» على الدخول في معمعة هذا العالم «غير الشرعي»، خصوصا لمثل الفاضل خالد السلطان الذي لا أظنه بحاجة «ملحة» لأن يكون عضوا في مجلس الأمة؟ وإن كانت الإجابة بأنه يأتي من باب مدافعة الفساد وعدم ترك المجال كله «للآخرين»؟ فسيبرز سؤال «حشري» آخر، وما لهؤلاء الذين قبلوا على أنفسهم التمرغ في هذا الوحل الذي يعج بهذه المخالفات والأمور غير الشرعية لا يلتزمون بأصول وقواعد اللعبة التي قبلوا ممارستها، وذلك من باب الاحترام لهذا النظام الديمقراطي الذي احتواهم على الأقل؟ ولا مانع أن يعملوا بعد ذلك من خلال قواعد اللعبة نفسها على تغيير ما لا يتوافق ورؤاهم الشرعية؟!

سيدي النائب الفاضل خالد السلطان، قسمك النيابي الذي أقسمت في المرتين غير دستوري، أو لنقل بأنه مشبوه دستوريا على الأقل، فعد وأقسم تارة أخرى حفظك الله بحسب النص، ووفر على نفسك صداعاً وإشكالية لا داعي لها، وتفرغ لما هو أهم، ولعل من هذا الأهم العمل على تغيير ما تراه لا يتوافق والشريعة، فأوقعك في هذا الحرج أصلاً. أثق بحكمتك يا شيخ.