حتى وإن هو جاء متأخراً، فإن هذا التحرك السعودي المكثف تجاه العراق قد عزز الأمل والثقة في قلوب أهل هذا البلد العربي بأن أُمتهم لن تتركهم لاستفراد بعض دول الجوار الإقليمي التي استغلت الفراغ المستمر على مدى السنوات الماضية منذ عام 2003 لتمزيق بلدهم اجتماعياً وطائفياً وسياسيّاً وأيضاً جغرافيّاً، ولتواصل تمزيقه كي تنفذ المخطط القديم - الجديد الذي لا يستهدف في حقيقة الأمر بلاد الرافدين وحدها، وإنما الدول المجاورة كلها، ويتعداها إلى الشرق الأوسط الممتد من المغرب والجزائر، وحتى الساحل الغربي على الخليج العربي في الشرق.

Ad

والدلالة تؤكد أن المملكة العربية السعودية عندما استدارت هذه الاستدارة القومية الصادقة فإن هدفها هو انتشال العراق كله، بكل أرضه وبكل مكوناته السياسية وكل طوائفه وأعْراقه، من أوحال التذابح الداخلي والحرب الأهلية، والدليل هو أنها فتحت ذراعيها لتحتضن العرب والأكراد والسُّنة والشيعة والمعممين بالعمائم السوداء وبالعمائم البيضاء، وأن الهدف هو التوحيد لا التفريق، وهو تحصين الشأن العراقي الداخلي ضد التدخلات الخارجية، وليس السعي إلى أي مصلحة خاصة أو إيجاد أي مركز نفوذ كما تفعل بعض الدول المعروفة.

كان لابد أن تسارع المملكة العربية السعودية إلى هذا التحرك الواعي، الذي لا يستهدف أي مصلحة خاصة بعد اندفاع العراق بعد الانتخابات الأخيرة تحت وطأة التدخل الإقليمي في شؤونه الداخلية، وتمادي هذا التدخل، نحو التشظي والتمزق. وحقيقة فإن هذا غير مستغرب على هذه الدولة التي أقامها الملك عبدالعزيز بن سعود في زمن التمزق القومي واتفاقيات سايكس- بيكو المشؤومة على الوحدة والتوحيد، والتي بقيت منذ إقامتها تحتضن جميع العرب وتتعامل معهم على أنها الشقيق الأكبر الذي يسهر على الجميع، والذي يعطي ولا يأخذ، والذي يسهر من أجل أن ينام هؤلاء الأشقاء بلا هواجس ولا كوابيس مرعبة.

ولهذا فإن المنتظر، بل المطلوب من العرب كلهم، أن يساندوا خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، إذْ يمدُّ يده بيضاء بلا سوء إلى العراقيين كلهم، فهذا جاء باسم الأمة العربية كلها ونيابة عنها، والهدف شريف والنية صادقة، والقصد هو انتشال دولة شقيقة أساسية ورئيسية من أوحال التمزق والتذابح العرقي والمذهبي وإنقاذها من التدخلات الإقليمية المتمادية في شؤونها الداخلية.

عندما يستقبل الملك عبدالله بن عبدالعزيز الطالباني والبارزاني وعلاوي وجماعة الصدر وعمار الحكيم وكل رموز العمل السياسي في العراق فإن هذا يعيد إلى الأذهان أجواء مؤتمر الطائف الشهير الذي وضع حداً للحرب الأهلية اللبنانية، كما أنه تأكيد جديد على أن المملكة العربية السعودية صاحبة رسالة، وأنها لا تبغي سوى رضا الله والقيام بمسؤولية هذه الرسالة العظيمة، ولهذا فإنه من حقها أن تنتظر من أشقائها على مستوى الشعوب والأنظمة الدعم والمساندة، والنظر إلى ما تقوم به من زوايا عيون سليمة وليست مريضة.