خرجت من الحلقة النقاشية التي نظمتها جمعية الخريجين بشأن مشروع قانون الخصخصة، متسائلاً: مادامت الحجج ضد المشروع قوية وموضوعية، وواضح أن هناك شبه إجماع لدى الحضور على رفضه، فلمَ الحاجة إذن إلى المغالاة و»التضهول»؟

Ad

لا حاجة لقضاء وقت طويل في قراءة مشروع قانون الخصخصة الذي يناقشه مجلس الأمة اليوم للاستنتاج بأنه ركيك الصياغة، ومبسط بإفراط لا يناسب حجم الموضوع، وأن مفاهيمه وتعاريفه وشروحه ضاعت ما بين الدستور ومشروع القانون ومذكرته الإيضاحية، ومع ذلك قررت حضور الحلقة النقاشية حوله في جمعية الخريجين مساء الاثنين الماضي لعلي أفهم أكثر وجهات النظر المؤيدة والمعارضة، خصوصاً أن المتحدثين هم الكاتب أحمد الديين صاحب الفضل في لفت الانتباه إلى مثالب المشروع، ونائب رئيس غرفة التجارة عبدالوهاب الوزان ممثل القطاع الخاص، والسيد عوض المطيري ممثل الاتحاد العام لعمال الكويت، وهم الشريحة المتأثرة بالمشروع مباشرة، والمحلل الاقتصادي علي النمش كصاحب وجهة نظر مستقلة، فجئت متطلعاً إلى سماع نقاش موضوعي، لكن سرعان ما خاب أملي.

ما بينته الحلقة هو أن مشكلتنا ليست «هل نخصص أم لا؟» بل مشكلتنا في موجة الشعبوية المفرطة التي اجتاحت الساحة السياسية، والتعاطي اللا جدي تارة واللا عقلاني تارة أخرى مع القضايا المهمة، ولم تكن الحلقة سوى مثال حي، فالديين على الرغم من امتلاكه حججاً موضوعية سبق أن أبدع بشرحها في مقالاته، فإنها عُميَت بالتحامل والنفس التآمري الذي غلّف طرحه، وفي المقابل أفصح الوزان خلال حديثه عن أنه لم يقرأ مشروع القانون الذي جاء لمناقشته! والمطيري بدأ حديثه بخلفية تاريخية مفيدة، ثم سرد بعض الأمثلة لتجارب الخصخصة الفاشلة في الكويت وتغاضى عن ذكر التجارب الناجحة، ثم قرر- مسبقاً- أن كل نائب موافق على المشروع هو إما مرتشٍ وإما صاحب مصلحة ويجب البصق في وجهه! وكملهم الكاتب سامي النصف في تعقيبه بمثال عن مساوئ تخصيص «الكويتية»، وكيف أن التخصيص مضر حتى للمال الخاص ودليله خسائر شركات طيران محلية دون أن يشير كما تتطلب الموضوعية إلى أن صناعة الطيران تمر بأزمة اقتصادية عالمية والكويت ليست بمعزل عنها.

ومن باب الإنصاف، فإن ما خفف من خيبة الأمل وجعلني أكمل الحلقة هو الطرح العقلاني والمسؤول الذي اتسم به حديث كل من النمش ومدير الحلقة د. بدر الديحاني وبعض المعقبين، والأهم من ذلك استحقت جمعية الخريجين التقدير على تعاطيها الموضوعي بدعوتها جميع الجهات صاحبة الشأن.

في النهاية خرجت متسائلاً: مادامت الحجج ضد المشروع قوية وموضوعية، وواضح أن هناك شبه إجماع لدى الحضور على رفضه، فلمَ الحاجة إذن إلى المغالاة و»التضهول»؟ وما الداعي إلى الانتقائية والابتذال؟ خصوصاً أننا في حلقة نقاشية هادئة وليس مهرجاناً انتخابياً، فركاكة المشروع كافية لتعريته، وكل ما يتطلبه الأمر هو مخاطبة العقول واحترامها.