في عام 2005 وبانتشار إنفلونزا الطيور اكتسح الإعلام العديد من النظريات كتلك- لمايك ديفس وجون باري- التي تنبأت بانقراض الجنس البشري بسبب هذا الوباء. نفس النظرة التشاؤمية والمرعبة صاحبت قبل ذلك مرضي «سارس» و»جنون البقر» وغيرهما الكثير، الآن وبعد أقل من خمس سنوات لا نكاد نسمع بأخبار تلك الأوبئة.

Ad

هذه المبالغة الإعلامية المرعبة لخطورة الأوبئة لها دافعان مختلفان: الأول، وهو الأنبل نسبياً، هو للفت انتباه الدول والأفراد لاتخاذ الإجراءات الوقائية اللازمة، أما الدافع الآخر والأقوى فهو تجاري بحت. فالتحضير للوباء يتطلب لقاحات وأدوية ومطهرات ومختبرات وتجهيزات مكثفة لغرف الإسعاف والعناية المركزة، وكل تلك وراءها إمبراطوريات من الشركات والوكلاء والوسطاء المرتبطين مباشرة بوسائل الإعلام والساسة وحتى بعض الحكومات.

ويجد هذا التهويل المنظم صداه لدى الإنسان البسيط والجاهل الذي لا يملك سوى أن يثق بما تحمله وسائل الإعلام، ولكن ما هو غير مفهوم ولا مقبول هو انسياق الساسة ومتخذي القرار لتلك المخاوف رغم توافر الأدوات والمعلومات.

فعلى المستوى العالمي، يبلغ عدد وفيات إنفلونزا الخنازير حتى لحظة كتابة هذه السطور 3373 شخصاً أغلبهم من الفئات الحرجة كالمسنين والأطفال والمصابين بالسمنة والربو أو السكري وغيرها من الأمراض التي تزيد من خطورة العدوى، وتشكل نسبة الوفيات 1.14% من الإصابات، بالمقابل تتراوح الوفيات من الإنفلونزا الموسمية العادية ما بين 30 إلى 50 ألف حالة في المدن الكبيرة في الولايات المتحدة فقط، وتتراوح نسبة الوفيات عالمياً بسبب الإنفلونزا الموسمية ما بين 5 إلى 15%!

أما على مستوى الكويت فقد وصلت حالات العدوى بإنفلونزا الخنازير إلى 1779 حالة مسجلة منها 5 وفيات بنسبة كلية 0.28%، وهي أقل بكثير من النسبة العالمية خصوصاً إذا قارناها بالمنطقة، حيث وصلت في السعودية إلى 0.66% وفي الإمارات 3.2%، وهي في مجملها لا تقترب من نسب الإصابة ولا الوفيات من الإنفلونزا الموسمية التي اعتدنا عليها.

لذلك، فإن معدل انتشار المرض ونسبة الوفيات- وإن كانت دافعاً للوقاية- إلا أنها لا تستدعي حالة الرعب العامة، وبالتأكيد لا تبرر تأجيل المدارس في هذه الظروف خصوصاً أن حالات العزل المنزلي أثبتت نجاحها في علاج وحصر العدوى مما لا يستدعي حملاً إضافياً على المستشفيات المتهالكة.

بل العكس، أعتقد أن المدارس المدارة بفعالية قد تكون من أدوات الوقاية والعلاج، فالأطفال حالياً في المدارس الخاصة يحصلون على جرعات مكثفة من التثقيف الصحي الذي لم ولن يحصلوا عليه في ظروف أخرى. كما تشكل المدارس مرحلة غربلة إضافية للحالات المرضية التي لا ينتبه إليها البيت كما هي الحال مع الحالة التي تم اكتشافها فور وصولها إلى المدرسة بعد أن غابت عن انتباه البيت.

الحذر ذكاء خصوصاً إذا قابله تخطيط دقيق، ولكن الهلع المصحوب بالجهل والتخلف، فإنه يؤدي إلى مزيد من شلل التفكير والفوضى وضياع للوقت والمال.

مصادر الإحصاءات:

http://www.flucount.org/

http://www.globalsecurity.org/security/ops/hsc-scen-3_flu-pandemic-deaths.htm