سبق أن كتبت مقالين بعنوان «الحاوي الأميركي والمهرجون العرب» (9-6) تعليقا على زيارة أوباما لمصر وخطابه في جامعة القاهرة، وبعد شهر كان المقال الثاني حول أشلاء الخطاب المذكور بعنوان «مازال المهرجون يتراقصون» (3-7) واستكمالا للتعليق (الذي أثارته ندوة «الجريدة» «أوباما والعرب») حول الحالة الأوبامية إن صح التعبير التي بدأت تتلبس الكثيرين من كتّابنا ومثقفينا سنقف أمام بعض الحقائق بلا مجاملة ولا رتوش:
أولا: لم تتعد فترة حكم أوباما عاما واحدا، فهل يصح أن نسميها «حقبة»؟! إن حقبة في علم الجيولوجيا تتجاوز مئات السنين، وفي علم الاجتماع تتراوح بين 10-20 عاما، وفي أفضل الأحوال لو اعتبرناها عقدا من الزمن فلن تقل عن 10 سنوات، وبالتالي فلا يمكن أن تسمى هذه الفترة حقبة والأدق أن نصفها بـ«الحالة الأوبامية» وهي حال من الفرح والتفاؤل أصابت العرب منذ تولي الرئيس الأميركي الحكم والاستماع إلى خطبه البليغة وكلماته المؤثرة، فتخيله البعض بابا نويل القرن الـ21 أو حامل مصباح علاء الدين أو الحاوي الشعبي- كما ذكرت في مقال سابق- الذي يصفق له الأطفال إعجابا وانبهارا به.ثانيا: قال الإمام علي «إذا أعجبك ثوب المرء فانتظر حتى تسمع قوله، وإن أعجبك قوله فانتظر حتى ترى فعله».وأناقة السيد أوباما ليست محل شك أو نقاش وأقواله (بالرغم من وجود مجموعة مستشارين متخصصين يعدونها له) ترتفع به إلى مستوى الحكماء، أما أفعاله فليس فيها جديد إلى الآن، والقضية ليست في رأي أوباما الشخصي أو ما يعتقده ويؤمن به، ولكن في قدرته على تنفيذه، فالقرار الأميركي قرار مؤسسات وليس قرارا فرديا- مثل عالمنا العربي- فعلى الرغم من أن الكلام جميل وبليغ فإن الفعل سيظل محصورا داخل المؤسسة الأميركية ككل، والتي تحكمها اعتبارات كثيرة متباينة وشائكة.ثالثا: «الانكسار الداخلي» من أهم عوامل الحالة الأوبامية التي يعانيها بعض العرب شعبية أوباما الواسعة و«كاريزمته» في وطنه أميركا، والتي بدأت أثناء منافسته لهيلاري، ولكن للأسف فالتأييد الكبير الذي ناله أوباما بدأ بالانخفاض تدريجيا بعد شهور قليلة من توليه الحكم، لشعور المواطن الأميركي بعدم قدرة أوباما على تحقيق ما وعد به سواء من الناحية الاقتصادية، وحل الأزمة المالية أو على الجانب الاجتماعي كمشكلة البطالة والتأمين الطبي إلى غير ذلك من القضايا التي تحتل المراتب الأولى والثانية والثالثة في اهتمام المواطن الأميركي.وبالتأكيد فالانكسار الداخلي الذي يعانيه أوباما سينعكس سلبا بالتدريج على زعامته العربية والعالمية، فالتحلل الداخلي سيؤدي إلى انعدام التأثير الخارجي.رابعا: بالنسبة إلى القضايا الرئيسة التي تهمنا كعرب (فلسطين- العراق- أفغانستان) فلم يتبدل الواقع أو يتغير إلى الآن، ومازلنا ندور في دائرة الأقوال لا الأفعال خصوصا قضية فلسطين.فهل مازال هناك من يؤمن بقدرة أوباما- وليس رغبته- في إحداث التغيير المطلوب؟! وإلى متى ستستمر الحالة الأوبامية عند مثقفينا؟!
مقالات
الحالة الاوبامية
10-09-2009