أسوأ من القوانين الجائرة هي تلك القوانين المَنْسيّة، وهي التشريعات التي حشرتها السلطة التنفيذية في أدراجها المُغبَرَّة، ونسيتها أو تناستها حسب مصالحها، ثم عادت ونفخت فيها الروح وأحيتها كما تريد أهواء السياسة المتقلبة.

Ad

ليس جديداً أن نقرر أن عدداً من التشريعات -وإن كان نافذاً نظرياً- غيرُ مُفعَّلٍ على أرض الواقع، فعلى سبيل المثال لا الحصر، هناك عدد من مواد قانون المرور أو تشريع منع التدخين في الأماكن العامة ومنع الانتخابات الفرعية، وغيرها، لا مكان لها إلَّا في مدوّنة التشريعات، فالسلطة إما هي عاجزة عن أعمالها كتجريم الانتخابات الفرعية، أو أنها ليست جادة وغير راغبة في تفعيلها، مثل قانونَي منع التدخين والمرور.

قانون حظر الجمع بين الجنسية الكويتية وأُخرى، أو ما يُسمَّى ازدواج الجنسية، يعتبر مثالاً حياً على القوانين المَنْسيّة او المُتناسى أمرُها، فالسلطة كانت على علم وإدراك سابقَين بأن الكثير من المواطنين يحملون أكثر من جنسية، وسكتت سنوات ممتدة عن هذا الخرق لحكم القانون، ثم صَحَت فجأة لتذكِّرنا به في معرض مشروع صفقات سياسية، وبعد أن تعرَّض لأمره النائب علي الراشد.

ما هو خطير الآن، ليس موضوع "ازدواج الجنسية" ومخالفة القانون من قِبل عدد من المواطنين، إما طمعاً في كسب ميزات ومنافع مادية أو أنهم وجدوا أنفسهم غير مخيَّرين في تابعيتهم لدول أُخرى، إنما المصيبة في أن يصبح موضوع ازدواج الجنسية ترجمة ودعوة إلى تكريس التفرقة بين أبناء الوطن، ويصبح مرآة لإطلاق شعارات التهديد والوعيد، ليس ضد الحكومة، إنما وسيلة استغلال سياسي لاستدرار التعاطف العشائري أولاً، ثم يُكرَّس ثانياً كأداة للتقسيم العنصري بين بدو وحضر، وطائفي بين شيعة وسنّة، ولم يكن تصريح النائب محمد الحويلة المُخجِل عن الجناسي الإيرانية والأميركية والدماء الزرقاء، إلّا ترجمة فعلية لواقع الفرز الذي يُقنَّن الآن، ليس من السلطة الحاكمة كما حدث في السابق، إنما من نواب يُفترَض أنهم يمثِّلون الأمة بمجملها لا مناطقهم وجماعتهم.

هنا، لم تعُد قضية اليوم حلَّ معضلة "ازدواج الجنسية" وحكم القانون، إنما هي قضية وحدة وطن وإعادة الاعتبار إلى دستور الدولة.

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة